منذ القدم، والقراءة تعتبر من أهم وسائل التعلم الإنساني لاكتساب المعارف والمهارات والخبرات، وفتح الآفاق أمام أفكار جديدة والنهل من مختلف أصناف العلوم والأدب والفنون. وكانت القراءة في مجملها تهدف إلى تطوير الإنسان وذلك منذ عهد الفراعنة (الذين تميزوا بكونهم أصحاب أوّل مكتبة وجدت) والصينيين القدامى. وتبقى القراءة من الأمور التي يجب ألا يغفل عنها لا الأشخاص ولا الدول. بل هناك من قد يذهب إلى حد القول بأن القراءة هي من أهم بل أوّل الاهتمامات التي يجب على الإنسان الحرص على ممارستها. لكن للأسف هذا ليس حال مجتمعاتنا العربية التي لا زالت متأخرة في هذه النقطة. حيث تشير الإحصائيات إلى أن العالم العربي يصدر كتابين فقط مقابل كل 100 كتاب يصدر في دول أوروبا الغربية التي تنشر سنويا كتابا لكل خمسة آلاف شخص.وللأسف فإنّ التأخر الملحوظ في مجتمعاتنا العربية لا يقتصر على عدد الكتب الصادرة سنويا فحسب، بل يتعدّاها إلى المدة الزمنيّة التي يخصصها الفرد العربي للقراءة أيضا. حيث تبلغ المدة الذي يقضيها الفرد العربي في القراءة 6 دقائق سنوياً في حين أن هذه المدة تصل إلى 36 ساعة في الغرب، الذي رغم إمكانياته الهامة يعاني هو الآخر من عزوف الناس – طلابا وغيرهم – عن القراءة. فوفقا لدراسة قام بها مركز لي رانى بيو للأبحاث Lee Rainie of the Pew Research Center، فإن حوالي 23٪ من أصل 1005 مشاركا أكدوا أنهم لم يقرؤوا أي كتاب طيلة سنة 2014، بما في ذلك الكتب الإلكترونية والكتب المطبوعة، وأيضا الكتب الصوتية.إذاً، دعونا نتساءل الآن معا: ماهي القراءة؟ وما فوائدها؟ وكيف يمكننا تحبيب الأطفال و الطلاب بها ؟
تعتبر القراءة عملية معرفية تقوم على تفكيك رموز تسمى حروفا لتكوين معنى والوصول إلى مرحلة الفهم والإدراك، وهي جزء من اللغة التي تعتبر وسيلة للتواصل والفهم. و نعلم أن اللغة تتكون من حروف وأرقام ورموز معروفة ومتداولة. و هي – أي اللغة – تتكون من قراءة وكتابة وقواعد. فالقراءة هي وسيلة استقبال معلومات الكاتب أوالمرسل للرسالة واستشعار المعنى وهي وسيلة للتثقيف وكل هذا يتم عن طريق استرجاع المعلومات المخزنة في المخ والمعلمة من قبل من حروف وأرقام ورموز وغيرها.
فيمكن تعريف القراءة على أنها عملية فكرية يتفاعل معها القارئ، ليحلل ويفهم ما يتلقى من معلومات مشفرة كتابة ليستخدمها لاحقا في حل ما قد يواجهه من مشكلات في مختلف المواقف.
ليس سرا أن للقراءة مزايا متعددة ومعروفة، مثل اكتساب المفردات و تحسين الرصيد اللغوي وزيادة المعرفة… لكن دراسات أجريت مؤخرا أظهرت أن للقراءة مزايا كثيرة أخرى نذكر بعضها في ما يلي.
1- تحسين القدرة على فهم الآخرين
2- تحسين الإبداع
استخدام الخيال وتعلم مفردات جديدة واستيعاب مفاهيم جديدة وتمرين الدماغ، كلها من فوائد القراءة التي تؤدي إلى زيادة الإبداع. ففهم مجموعة متنوعة من الموضوعات يتيح للناس إنشاء روابط بين الأفكار المتباينة، وهذا شيء لم يكن ممكنا لولا المعرفة والقوة الذهنية المكتسبة من خلال القراءة.
3- إفادة المجتمع ككل
نسوق هنا نموذج الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تقدّر مؤسسة Literacy Partners – وهي منظمة غير ربحية توفر برامج محو الأمية في نيويورك – أن كل دولار ينفق على تحسين محو الأمية يجلب في المقابل 14.7$. حيث تساهم القراءة في زيادة إنتاجية العمال ومحو الأمية المالية
ج-طرق لتحبيب القراءة للطلاب
لتحقيق الفوائد المختلفة للقراءة، والتمكن من إحداث تغيير جذري في مهارات الكتابة لدى الطلاب، ومساعدتهم على اكتساب المعرفة والعلوم، جمعنا القائمة التالية من الطرق المساهمة على تحبيب للطلاب بالقراءة ومساعدتهم في التغلب على النفور المنتشر من المطالعة.
1- استراحة القراءة
لسبب أو لآخر، يحدث في أحيان كثيرة أن يربط الطلاب بين القراءة و الملل، حيث يظهرون غير مبالين أثناء حصص القراءة. بل قد يحدث أيضا أن يربط الطلاب القراءة بالعقاب وقد يظهرون امتعاضا منها وذلك بمقارنتها مع الفيديو – مثلا – الذي قد يأخذ كامل اهتمامهم و انتباههم. لهذا السبب وجب تغيير النظرة السائدة للقراءة وجعلها نشطة وممتعة. لتحقيق ذلك، و من حين لآخر، يجب تخصيص وقت تكون فيه القراءة بمثابة فاصل أو استراحة بين الأنشطة، حصص يكون للطالب فيها الحرية الكاملة في اختيار ما يريد قراءته، لتكون القراءة مصدرا للمتعة والاسترخاء بعيدا عن الملل.
2- القراءة بصوت عال
تعتبر القراءة بصوت عال – عموما – وسيلة رائعة لإعطاء الطلاب نظرة خاطفة و موجزة إلى الكنوز التي تحملها الكتب بين طياتها. فكما يقول سيث غودين: “القصص العظيمة تنجح لأنها قادرة على أسر مخيلة الجمهور العريض”. فبمجرد إعطاء الطلاب بطاقة تعريفية لقصة عظيمة تأسر الخيال وتحفز الفضول يمكن جلب اهتمامهم بشكل كاف لقراءة القصّة كاملة.
3- استخدام التعزيز الإيجابي
يعتبر التعزيز الإيجابي وسيلة مفيدة لتشجيع الطلاب على القراءة. ويمكن أن يكون التعبير عنه لفظيا في شكل مجاملات أو عبارات كما يمكنه أن يكون ملموسا على شكل نجوم ذهبية أو جوائز ولو كانت بسيطة. علينا – مدرسون و آباء – الحرص من حين لآخر على إعطاء بعض الهدايا كمكافأة للقراءة. وهو شيء قد يستغرق بعض الوقت و يتطلب جهدا إضافيا، لكنه إن تم بشكل صحيح تكون النتيجة طلابا محبين للقراءة يجمعون بين المتعة و الفائدة.
4- تنظيم معرض الكتاب في المدرسة
غالبا ما يكون حدث تنظيم معارض الكتب في المدارس ممتعا ومنتظرا من طرف المتعلمين. فهو وسيلة فعالة لإثارة حماسهم نحو القراءة، وإعطائهم الفرصة لشراء الكتب التي يرغبون فيها وذلك من خلال عرض متنوع من الكتب المختارة والقصص الكلاسيكية والمعاصرة. باختصار، معرض الكتاب ذو أهمية بالغة و على المدارس الحرص على تنظيمه كلما سنحت لهم الفرصة، فهو مناسبة جيدة يتعرّف الطلاب من خلالها على الكتب بمختلف أنواعها.
5- مرحلة ما قبل القراءة : لعبة التخمين
هو أسلوب يستخدمه مدرسو اللغة الإنجليزية لتعليم الطلاب في دول كثيرة مثل كوريا واليابان والصين لإعدادهم لبرنامج TOEFL (اختبار اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية). فقبل قراءة أي كلمة من الكتاب، يطرح المدرسون على الطلاب أسئلة حول غلاف الكتاب، وحول أي رسوم توضيحية أو صور فوتوغرافية يتضمنها، ويطلبون من الطلاب تخمين ما قد يكون محتوى أو موضوع الكتاب. الهدف من هذه العملية تشجيع الطلاب على الذهاب بخيالهم إلى أبعد حدود.
6- سباق القراءة
هي لعبة ممتعة يقوم المدرس من خلالها بتقسيم المتعلمين إلى مجموعات مكونة من 3 أو 4 أفراد، بحيث يقوم كل متعلم بقراءة أكبر عدد ممكن من الكتب قبل نهاية المدة المحددة. و يجب عليهم تقديم دليل على القراءة، ككتابة ملخص قصير (تقرير)، وفي النهاية تكون المجموعة الفائزة هي من تمكنت من قراءة أكبر عدد من الكتب. (ويستحسن أن تكون الجوائز مزيدا من الكتب).
7- اقرأ كتب الإرشاد
واحدة من أفضل الطرق لتشجيع المتعلمين على القراءة هي دعوتهم لقراءة ما هم مهتمين به فعلا. وفي هذا الصدد يمكن أن نقترح عليهم الكتب التي تشرح أو توضح ظاهرة أو عملية ما تهمهم، كالكتب التي تعلم الطبخ أو تلك التي تعلم الخدع السحرية، أو تلك التي تجعلهم متميزين في ألعاب الفيديو. كل هذا بهدف استغلال دوافعهم الذاتية، حيث أن هذا الأسلوب يساعد الطلاب على اكتساب مهارة التعلم الذاتي، وربّما تحويلها لاحقا إلى أسلوب حياة.
8- الكتابة كمفتاح للقراءة
قد نلعب كرة القدم طيلة حياتنا لكننا قد لا نصل إلى مهارة اللاعبين المحترفين كأولئك الممارسين في الدوري الانجليزي مثلا. نفس الشيء ينطبق على الفرق بين قراءة الكتب و تأليفها. لكن هذا لا يمنع من تدريب الطلاب على محاولة الكتابة و التأليف ولو عبر كتابة قصص قصيرة أو خواطر تلقائية، فالمطلوب فقط هو تركهم يعبرون عن إبداعهم مع ضرورة العناية ببعض التفاصيل مثل تصميم غلاف للكتاب…لتحقيق أهداف كثيرة منها تعلم مفردات جديدة.
نهاية، لن نجد أحسن من مقولة المؤلف نيل غيمن ” الكتاب هو حلم تحمله بين يديك “ لختام هذا المقال. فالقراءة ليست مهارة لتحقيق النجاح الشخصي والمهني لدى الطلاب فحسب، بل هي أيضا نشاط مهم ومؤثر يدفع رقي المجتمع ككل. فلا تتردوا في تجربة الأفكار و النصائح أعلاه لإقناع الطلاب بالقراءة فقد تكون هذه الخطوة الأولى نحو تغيير حياتهم.