جريدة افي حوار مع محمد العروسي، فنان الطرب الأندلسي في الشماللشمال

في حوار مع محمد العروسي، فنان الطرب الأندلسي في الشمال:

ـ الطرب الأندلسي أصبح «متميعا» بسبب طغيان الهاجس المادي التجاري..!!

ـ عبد الصادق اشقارة أول من ساوى لي أوتار الكمان داخل الزاوية الحراقية بتطوان

جريدة افي حوار مع محمد العروسي، فنان الطرب الأندلسي في الشماللشمال 3roussi

جريدة افي حوار مع محمد العروسي، فنان الطرب الأندلسي في الشماللشمال 3roussi

قضى محمد العروسي معظم سنوات عمره في الإعلاء من شأن الطرب الأندلسي. وتنقل بين مختلف قارات العالم للتعريف بهذا الفن التراثي الأصيل. ولم يقف عند ذلك وإنما قام بتأسيس كيان جمعوي بطنجة، مسقط رأسه، لسد الفراغ في هذا الفن الذي تركه (عباقرة الآلة) . وإعادة إحياء تقاليد الآلة الأندلسية، التي اندثرت قيمتها بسبب طغيان الهاجس التجاري على الهاجس الفني.
من سنة1960، تاريخ ازدياده بطنجة، مرورا بسنة 1976 المؤرخة لانخراطه الفعلي في فن الطرب الأندلسي، وصولا إلى سنة 2004، التي شهدت تأسيس الجمعية المغربية للموسيقى الأندلسية والروحية بطنجة، ومحطات أخرى أساسية في مشوار الفنان القدير محمد العروسي، يرويها لـ «الشمال» في أول حوار يجريه مع الصحافة المغربية.

حاوره: حسن بيريش

ـ ازددت في وسط عائلي ينتمي إلى الطريقة الصوفية الحراقية، وانطلاقا من هذا الإنتماء، تشربت منذ الصغر حب الموسيقى. كيف كانت بداية مشوارك في الطرب الأندلسي الأصيل؟
ـ كما ذكرت فقد نشأت في مناخ أسروي مولع بالأمداح النبوية والأناشيد الدينية. فجدي لأمي كان شيخ مقدمين الطريقة الحراقية. في عهد سيدي ادريس الحراق. وجميع أفراد عائلتي كانوا ـ ومازالوا ـ منتمين إلي نفس الطريقة. ،منذ كان عمري لايتجاوز5 سنوات. انخرطت في سماع الذكر، وتلقيت تربية صوفية ممزوجة بالموسيقى. في تلك الفترة التي كان فيها عبد الصادق اشقارة ملء الأسماع، وكذلك شيخ الطريقة سيدي عرفة الحراق، ابن سيدي إدريس.
ـ في سن 16سنة التحقت بالمعهد الموسيقي لمدينة طنجة، من أجل صقل موهبتك في العزف ودراسة الموسيقى الأندلسية على أصولها. ماهي العوامل التي أدت بك إلى هذه الخطوة؟
ـ عندما كان عمري 14سنة، بدأت في تلقي قواعد (تسوية الأوتار) على آلة الكمان، وكان أستاذي الأول الذي قدم لي كامل تشجيعاته هو خالي المرحوم محمد العربي المزكلدي، وكان هو أيضا وراء التحاقي بالمعهد الموسيقي لطنجة، سنة 1977، حيث تلقيت دروسا قيمة على أيدي أساتذتي مصطفى التسولي، ومحمد العمراني، وأحمد الزيتوني، كان هذا المعهد في أوج عطائه، وكان يضم نخبة مختارة من أمهر الأساتذة الممارسين. جريدة افي حوار مع محمد العروسي، فنان الطرب الأندلسي في الشماللشمال Nour

جريدة افي حوار مع محمد العروسي، فنان الطرب الأندلسي في الشماللشمال Nour

ـ أثناء دراستك بالمعهد الموسيقي لطنجة، التحقت سنة1977، بجوق العربي السيار برئاسة المرحوم محمد العربي المرابط، كيف استطعت أن تكون تلميذا وعازفا محترفا في نفس الوقت؟
ـ كان طموحي كبيرا، ولم أكن أضيع أي فرصة يمكن أن أؤكد من خلالها عشقي للطرب الأندلسي، وبفضل ذلك تغلبت على جميع الإكراهات، وتمكنت من التفوق في دراستي، مع إثارة الإنتباه إلي كعازف ماهر على آلة الكمان.
ـ في سنة 1987، طلب منك المرحوم محمد العربي التمسماني الإلتحاق بالمعهد الموسيقي لتطوان، الذي كان يترأسه، بصفتك أستاذا متمكنا من أدواتك الفنية، ما الذي تتذكره الآن عن تلك الفترة الذهبية من تاريخ الموسيقى الأندلسية بشمال المغرب؟
ـ كان الأستاذ الكبير محمد العربي التمسماني بصدد تجديد هياكل جوق المعهد التطواني وضخ دماء شابة في عروقه، ونظرا للعلاقة التي كانت تربطني به، فقد دعاني إلى الإلتحاق بالمعهد كأستاذ ثم كعضو في جوق المعهد، الذي كان يضم آنذاك خيرة العازفين.
وهنا لابد أن أعترف بالفضل لأهله، فقد تعلمت من هرم الطرب الأندلسي، محمد العربي التمسماني قواعد هامة سواء في دقائق الصنعة، أو في طرائق العزف المتمكن. ـ لم تستمر في نشاطك الفني مع جوق المعهد التطواني سوى سنة واحدة، وإن كانت حافلة بالدروس والخبرات، فماهي الظروف التي حتمت إلتحاقك سنة 1988، بالجوق الوطني للطرب الأندلسي. التابع لدار الإذاعة والتلفزة بالرباط؟
ـ بداية أريد أن أؤكد أن الأعوام التي قضيتها صحبة الجوق تحت رئاسة عبقري الموسيقى الأندلسية، مولاي أحمد الوكيلي (1988 ــ 2002)، كانت من أغنى وأخصب سنوات مشواري في هذا الفن الأصيل الجميل.
كما قلت ففي أواخر سنة1988، دعاني مولاي أحمد الوكيلي لزيارته في الرباط، حيث عرض علي الإنضمام إلى الجوق الوطني للطرب الأندلسي، التابع للإذاعة والتلفزة. ولم أتردد لحظة، نظرا لأن الجوق المذكور كان يضم شيوخ الآلة الكبار، من أمثال: الحسين بن المكي، الحاج محمد الطود، أحمد بن يوسف، محمد المنصوري، الحاج عبد المجيد بن عمر، مصطفى المكناسي، والقائمة طويلة.
قضيت برفقة هؤلاء الأساتذة الكبار، الذين يصعب تعويضهم للأسف الشديد، حوالي 14سنة كاملة، تعلمت خلالها ما لم أكن أعلم، واكتسبت خبرة أعتز بها.
وخلال هذه الفترة، لم تنقطع صلتي مع الحاج عبد الكريم الرايس، هذا العبقري الذي اشتغلت معه في عدة مناسبات وطنية، داخل البلاد وخارجها.
وفي بداية سنة 2002، التحقت بمحطة إذاعة طنجة، حيث مازلت أزاول مهامي كمحافظ للخزانة الموسيقية بها حتى الآن.
ـ تتلمذت على عباقرة الطرب الأندلسي، وعزفت إلى جانبهم وفي حضورهم الفني الطاغي، هل تعتبر نفسك محظوظا؟
ـ أنا أكثر من محظوظ في الواقع. إن أهم شيء أعتز به في حياتي، هو أنني تتلمذت على واستفدت من أربع مدارس أساسية كبرى في الطرب الأندلسي: ــ مدرسة طنجة (المعهد الموسيقي، جوق السيار) ــ مدرسة المعهد التطواني، جوق التمسماني ـ مدرسة مولاي أحمد الوكيلي ـ مدرسة عبد الكريم الرايس.
إن ماذكرته لايعني أي نوع من الغرور، وهنا أشير إلى شيء مهم: بعد تخلي الحاج محمد الطود عن رئاسة جوق الإذاعة بالرباط، سنة 2001، طلب مني رئاسته من قبل الإدارة. لكنني رفضت تواضعا، وكنت أدرك أنني لن أكون في مستوى شيخي مولاي أحمد الوكيلي، وذلك بشهادة أساتذة عرضت عليهم الرئاسة قبلي، منهم الحاج بوغالب، ومصطفى المكناسي، والحسين بن المكي.
والغريب أن جوق إذاعة الرباط، مازال، منذ سنة 2001، بدون رئيس.
ـ كانت تربطك علاقة حميمية بالفنان التطواني الكبير، عبد الصادق اشقارة، كيف بدأت هذه العلاقة. وكيف انتهت بوفاة اشقارة؟
ـ المرحوم عبد الصادق اشقارة كان أول من ساوى لي أوتار الكمان داخل زاوية سيدي محمد الحراق بتطوان، كان ذلك سنة 1977، عندما انتقلت من مستمع وحافظ للأمداح النبوية (الهمزية، البردة)، إلى عازف مشارك بجانب أستاذنا العظيم عبد الصادق اشقارة.
ورغم التحاقي بجوق الإذاعة بالرباط، إلا أن علاقتي بعبد الصادق اشقارة، والزاوية الحراقية ظلت مستمرة ومتينة، وتتجدد بين مناسبة وأخرى (عيد المولد، ليلة القدر، 15شعبان وعاشوراء من كل سنة).
أثناء فترة مرضه الأخير، وقبل وفاته بشهرين تقريبا، كان المرحوم اشقارة يقيم بمنزل الحاجة غيثة العوفير(عازفة على آلة البيانو بجوق الإذاعة)، وكنت أزوره باستمرار للإطمئنان على صحته. وقبل أن يرحل إلى تطوان بيوم واحد، عرض علي أن آخذ مكانه في الزاوية الحراقية بتطوان، بعد أن أشاد بقدراتي الفنية، ورفض أي عذر مني بإصرار، وهو ماقمت به بالفعل حتى الآن، وإن كنت لاأدعي إطلاقا أنني ملأت الفراغ الكبير الذي تركه هذا الرائد العظيم.
والفنان الذي لن تجود الساحة الفنية بمثله، رغم أن شيخ الزاوية الحراقية، سيدي الغالي الحراق، منحني شهادة تقديرية اعترافا بقدراتي المتواضعة.
ـ في سنة 2004 قمت بتأسيس «الجمعية المغربية للموسيقى الأندلسية والروحية» بطنجة، ماهي الأهداف الفنية التي توخيت تحقيقها من وراء ذلك؟
ــ جاء تأسيس هذه الجمعية بطلب من المولعين بالطرب الأندلسي في طنجة، الذين لاحظوا فراغا في هذا المجال، وبعد خروج الجمعية إلى حيز الوجود وتأسست جمعيات أخرى في نفس المجال لمنافستها، وهذا في حد ذاته أمر إيجابي ومهم للغاية.
وفي الحقيقة، رغم حداثة هذه الجمعية (التي تضم في تشكيلتها : محمد العروسي، محمد العزوزي، سعيد بلكرش، عبد الصمد الشنتوف، محمد السيقاط، وهشام السعيدي)، فإنها قامت بأنشطة هامة. مثل إعادة إحياء سابع المولد بعد حوالي 50 سنة من التوقف، وتكريم مجموعة من رواد الطرب الأندلسي، أمثال: محمد بنعجيبة، محمد المروش، محمد الفيلالي، وغيرهم.
وأستغل هذه الفرصة لأدعو كل من له غيرة على هذا الفن الأصيل، أن يدعم أمثال هذه الجمعيات لكي تقوم بدورها في الحفاظ على هذا التراث الغني، وأن لايكون حجر عثرة في طريقها بدعاوى لاأساس لها من الواقع الغني السائد.
ـ كيف تقيم، من وجهة نظرك الخاصة، الواقع الراهن للطرب الأندلسي في شمال المغرب؟
ـ «الولاعة» بهذا الفن لم تعد كما كانت سابقا، الطابع التجاري أصبح طاغيا علي بعض الممارسين لفن الآلة، كما أن العلاقات بين الفنانين أضحت متردية. إضافة إلي أن الطرب الأندلسي غذا «متميعا» بسبب استحكام الهاجس المادي الصرف..!!
ـ قمت بجولات عديدة وواسعة في مختلف أنحاء العالم (بلجيكا، إيطاليا، مصر، روسيا، سوريا، اليمن، الجزائر، اليابان، البرتغال، إسبانيا، فرنسا، هولندا، ألمانيا، تونس، كوريا الجنوبية)، ما الذي أضافته إليك هذه السفريات كفنان ثم كإنسان؟
أضافت لي الكثير جدا، باعتباره من الفنون التراثية الأصيلة، وكذلك وقفت على مدى التطور الحاصل في هذه الدول على جميع الأصعدة، بيد أني أعترف أن قيمة بلادي المغرب لم ألمسها بوضوح إلا عندما سافرت إلى دول أخرى، وشاهدت فضاءات مغايرة

شكرا وبارك الله فيك

» حوار مع وزير التربية الوطنية قامت به جريدة هببريس
» الطرب الاندلسي
» محمد الوفا يؤكد أن الساعات الإضافية إلزامية و يرفض اي حوار حولها بالوقت الراهن
» تعريف بالشعر الأندلسي وأعلامه/الأعمى التطيلي.
» عبد الواحد التطواني فنان من طراز فريد