منتديات الفردوس المفقود
عزيزي الزائر يشرفنا إنضمامك لأسرة المنتدي بالضغط علي كلمة التسجيل وإن كنت عضوا في المنتدي فبادر بالضغط علي كلمة دخول وأكتب أسمك وكلمة السر فنحن في إنتظارك لتنضم إلينا
منتديات الفردوس المفقود
عزيزي الزائر يشرفنا إنضمامك لأسرة المنتدي بالضغط علي كلمة التسجيل وإن كنت عضوا في المنتدي فبادر بالضغط علي كلمة دخول وأكتب أسمك وكلمة السر فنحن في إنتظارك لتنضم إلينا
منتديات الفردوس المفقود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الفردوس المفقود

منتدى للابداع والتربية والترفيه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول
أخي الزائر بعد تسجيلك بالمنتدى سيعمل مدير المنتدى على تنشيط عضويتك ..وشكرا
اهلا وسهلا بك يا زائر
المتنبي - سر بقائه وخلوده؟ 21_05_1213376309211
المتنبي - سر بقائه وخلوده؟ 052112130544nzhmb91h8rjfmgyu
الى كل أعضاء الفردوس المفقود وطاقم الاشراف والمراقبة والادارة المرجو ايلاء الردود عناية خاصة
مطلوب مشرفين لجميع الاقسام
Google 1+
Google 1+
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني




 

 المتنبي - سر بقائه وخلوده؟

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
حميد يعقوبي
المدير القانوني والتقني
المدير القانوني والتقني
حميد يعقوبي


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 2556
نقاط : 7157
السٌّمعَة : 63
تاريخ التسجيل : 16/03/2012
الموقع : منتديات مرجانة

الأوسمة
 :  

المتنبي - سر بقائه وخلوده؟ Empty
مُساهمةموضوع: المتنبي - سر بقائه وخلوده؟   المتنبي - سر بقائه وخلوده؟ Emptyالسبت يونيو 15, 2013 1:52 am

المتنبي - سر بقائه وخلوده؟



لا شك في أن من أُطلق عليه لقب "مالئ الدنيا وشاغل الناس" ما يزال يملأ الدنيا ويشغل الناس، فعبقرية أبو الطيب وخلوده وبقاؤه رغم مرور أكثر من ألف عام على مولده وإبداعه، أمور ما تزال غامضة، ويحاول النقاد والدارسون تقديم تفسير لها. ولا شك في أن استمرار محاولات فهم سر بقاء المتنبي وخلوده ناتج بشكل أساس عن عجز كل ما قيل عن تقديم التفسير الشافي والكافي والوافي بهذا الخصوص، ويجد الدارس المتعمق أن كل نظرية قيلت بهذا الخصوص ما هي في الواقع إلا مجرد محاولة يسوق صاحبها مسوغات ويقتطف من حياة المتنبي وشعره ما يحلو له لدعم طرحه وتصوره، فيقوم على تأويل ما قيل لإثبات طرحه، وهو حتمًا يحتمل تفسيرات كثيرة أخرى، ولهذا تعددت التفسيرات والنظريات التي استخدمت المسوغات نفسها أحيانًا لطرح وجهات نظر مختلفة ومتعددة بخصوص خلود المتنبي وسر بقائه. 

سأحاول هنا أن أسوق عددًا من هذه النظريات والطروحات التي تحاول تفسير سر بقاء المتنبي، والتي أرى بأنها عجزت عن تقديم الجواب الشافي، ومن ثم أقوم على طرح نظريتي حول سر بقاء المتنبي وخلوده، هذه النظرية التي تقوم على فهمي لسر الإبداع لديه، فهي نظرية غير تقليدية، وتتبنى منهجية جديدة تعتمد على نظريتي في تفسير الطاقة الإبداعية، وتعالج سر بقاء المتنبي من جانب جديد ومختلف، فسر خلود المتنبي وبقائه يكمن في سر إبداعه تحديدًا وقدراته العقلية الخارقة.

لاشك في أن المتنبي أدهش الناس جميعًا في قدرته على القول، ونظم الشعر، وأذهل العقول كما يقول العكبري بسبب قدرته على الإتيان بنوادر لم تأت في شعر غيره، حيث يقول العكبري، انه لو لم يكن في ديوان المتنبي إلا هذا البيت لكفاه:

أتتهن المصيبة غافلات ..................فدمع الحزن في دمع الدلال

ومن الذين أذهلهم المتنبي الشعراء أنفسهم، حتى الذين عاصروه، فنجد أن أبو العلاء المعري مثلًا يصف ديوان المتنبي بـ" معجز أحمد" وهو تعبير صارخ عن قدرات المتنبي الإبداعية الفذة والعبقرية التي تصل إلى حد الإعجاز، ونجد أن أبو العلاء المعري عندما كان يريد أن يستشهد بأحد أبياته فإنه يقول " قال الشاعر " دون أن يذكر اسمه أو لقبه، وكأنه لا يرى شاعرًا سواه. 

وأظن أن عدد الذين حاولوا تقديم شرح وتفسير لديوان المتنبي منذ أبدعه عقله إلى اليوم هو عدد غير مسبوق في تاريخ الأدب ككل حتى العالمي منه، وهو مؤشر حتمي على عمق وإعجاز وقدرات فذة أبدعها عقل المتنبي... فما يا ترى سر هذه القدرة الإبداعية الفذة التي خلدت المتنبي ليظل شاغل الناس عبر الأزمان ويبقى شاعرًا عظيمًا بالغ التأثير حتى يومنا هذا؟ وربما يستمر الى مستقبل غير منظور!

سنركز هنا على أحدث النظريات التي حاولت الإجابة عن سر بقاء المتنبي وخلوده والتي عالجت الموضوع من خلال استخدام المنهاج البنيوي والموضوعي، و تلك التي عالجت الأمر من الجانب النفسي تحديدًا نظرًا لأن هذا المنهاج هو الوحيد القادر على سبر أعماق النفس البشرية، ويقدم تصورًا ما حول القدرات الإبداعية. 

فمثلًا يقول محمد كمال حلمي بك في مقال له عام 1986، إن سبب خلود المتنبي يكمن في "أنه شارك الناس آمالهم وآلامهم، وصور علل أخلاقهم وأمراض قلوبهم، ووصف لهم علاجًا لكل ذلك وكأنما أخذ على نفسه أن يترجم ما في نفوسهم في كل ظروف الحياة". أما المستشرق بلاشير فقد قال في مقال له عام 1985 إن سبب خلود المتنبي "كونهممثلا للعبقرية العربية المتعصبة في وجه العبقرية الأعجمية". أما شرارة فيقول في مقال له عام 1990 "إن شعر المتنبي فرض نفسه على محبيه وأعدائه لما يحمل في قراراته من صحة الفكر وقواعد السلوك المنشود في حياة الأفراد والمجتمع". أما منير البعلبكي فيقول في قاموسه المورد عام 1990 "إن المتنبي أصبح أشهر شعراء العرب لأنه فهم أسرار النفس البشرية وصاغ تجاربه حِكَمًا جرت مجرى الأمثال". أما أحمد عباس صالح في مقالة له عام 1994 فيقول "نحن إلى اليوم نعجب بشعر المتنبي، ونحفظه، ونتأمل بعض أبياته بدهشة لأنها تجسد أمامنا تجربة فكرية أو انفعالية على أعلى مستوى من حيث الصياغة والتجربة فهو حينما يقول:

كفى بك داءً أن ترى الموت شافيًا.... وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا

إنما
 ينقل المتلقي فجأة إلى تجربة مخيفة قد يكون مر بها، ويجعله يتوقف عند هذه الصياغة العجيبة، وعند ثراء الشاعر بالتجارب العميقة ويتأملها في دهشة، ويرددها بإعجاب ورضا، والسر في رأي أحمد صالح كَمُنَ في الصدق والمشاركة والإنسانية في الشعور". 
أما عبد السلام نور فيقول "إن ما أكسب شعر المتنبي قيمة تاريخية وجمالية توالت عبر العصور هو أن شعر المتنبي تضمن إحساسًا قويًّا بالزمن، فقد استبطن المتنبي عصرًا بكامله بكل تناقضاته، وعبر عن إحساسه الدقيق بالزمن واتجاهاته مما جعله خالدًا". أما المستشرق الاسباني غومث فيرى أنه الشاعر الأبقى حياة حتى في أحاسيس الشعب العربي لأنه "من أعظم الشعراء عبقرية، فهو محلق في السماء، ملتهب الكبرياء، نبوي النظرة أحيانًا مما يسزغ إطلاق اسم المتنبي عليه فلقد تنبأ أبو الطيب بالامتداد الجغرافي غير المحدد شرقًا وغربًا لشهرته" وذلك حين قال:

وتعذلني فيك القوافي وهمتي..كأني بـــمدح قل مدحــــــــك مذنب
ولكنه طال الطريق ولم أزل ...أفتش عن هذا الــــكلام وينــــــهب
فشرق حتى ليس للشرق مشرق...وغرب حتى ليس للغرب مغرب
إذا قلته لم يمتنع من وصوله...جدار معلى أو خباء مــــــــــــــطنب.

أما علي كامل والذي نَشَرَ مقالاً له بعنوان "المتنبي والنفس" في مجلة آفاق عدد 4 عام 1977 فيرى "أن سر خلود المتنبي يكمن في شخصية المتنبي التي كانت تعاني من عدم توازن واستقرار، وهي تجمع بين الأضداد، فهو انبساطي وانطوائي في وقت واحد"، ويبين علي كامل أن هذا التناقض في نفسية الشاعر مكن من التعبير عن عبقريته وحركته الروحية بحيوية وفاعلية شعرية جعلته خالدًا. 

أما يوسف اليوسف وهو ناقد آخر حاول تقديم تفسير نفسي لسر بقاء المتنبي وخلوده في مقالة له في مجلة المعرفة السورية عدد 119- 200 عام 1978 فقد حاول الإجابة عن سؤال الصمود والاستمرارية من خلال استخدامه للتحليل النفسي، حيث حاول اليوسف الوقوف على العوامل التي جعلت شعر المتنبي يستمر عبر التاريخ، ولم يلحقه البلى، بمعنى أنه حاول تحديد العوامل النفسية التي أكسبت شعر المتنبي البقاء والخلود، وسلكته في عقد الشعراء الخالدين من خلال تشريح هوية المتنبي، ومساءلة الذات الشاعرة، والكشف عن آليات اشتغالها حيث يقول اليوسف "إن اهتمام الناس بشعر المتنبي قديمًا وحديثًا ليس محض صدفه وإنما يعود لوجود عناصر نفسانية وفنية في شعره تشد إليه هذا العدد الهائل من القراء". ويرى اليوسف أن من بين هذه العناصر القيم التي يجسدها شعر المتنبي والتي تشكل بالنسبة للعربي مثلاً أعلى، وتحديدًا اتخاذ أبو الطيب المتنبي لمقولة القوة أو الرجولة أطروحة أساسية يتمحور حولها معظم إنتاجه الشعري، إضافة إلى تنوع شعره، ووفرة اللون الوجداني فيه. كما يرى اليوسف أن المتنبي ظل خالدًا "لأنه ذلك المبدع الفذ الذي استطاع أن يعكس رؤية العالم لعصر بأكمله". ويشير اليوسف إلى أن المتنبي "كان يعاني من نرجسية، وهي آلية تعويضية عن فقدان حنان الأمومة جعلته يحس بتفوقه وسط محيط كان يشعر فيه بنقص اجتماعي، ومن ثم أصبحت نرجسيته تعويضًا عن هذا النقص، وتعويضًا عن الإحساس بالاضطهاد" ، إلا أن هذه النرجسية ليست سلبية كما يرى اليوسف لا سيما وان مفهوم الرجولة يتصدر قائمة القيم الاجتماعية والعربية، والاعتزاز بالأنا هو موضوع يتواتر بشكل كبير في الشعر العربي". ففي رأي اليوسف لقد جسد المتنبي نرجس الأسطوري في أرض الواقع العربي، وقد أفضى هذا التجسيد بالأنا إلى حد التضخم، وهذا تحديدًا أحد جوانب ارتباط العرب بشاعرهم المفضل حسب اليوسف. كما يشير اليوسف الى أن المتنبي "كان يعاني من سادية مجاورة للنرجسية أيضًا حيث أن هاتين النزعتين تتعايشان في كيان واحد، وذلك نتيجة التعامل المزدوج تجاه الإحباط الذي مس الشاعر، فهو مرة يتعالى عليه، ومرة يحس بالعبث واللاجدوى. وقد تولد في شخصية المتنبي وكنتيجة لهاتين النزعتين حب الحياة كنتيجة للنزعة النرجسية، وحب الموت والفناء وتدمير الذات وهي نزعة سادية، ومن أبرز ما يشير إلى هذه النزعة السادية في شعر المتنبي كما يشير اليوسف قولَه:

كفى بك داءً أن ترى الموت شافيًا.... وحسب المنايا أن يكنَّ أمانيا.

ويُرجع اليوسف استمساك المتنبي بذاته إلى الإحساس القوي باليتم، وإلى وهن العلاقة بينه وبين الآخرين، ويعتبر نرجسيته تعويضًا عن هذا الوضع المربك فحين تتناقص كمية العطف من الآخرين يعمد الفرد إلى تعويض يتلخص في أن يقوم بإغداق الحنان على نفسه.

ويرى اليوسف أن المكون الفني هو نتاج المكون النفسي، وعليه يرى اليوسف أن تلك النزعات النفسية لدى المتنبي من نرجسية وسادية هي التي شكلت الطاقة الدافعة، وهي التي أغنت المكون الفني، وصبغت شعر المتنبي بعدة ظواهر مميزة مما جعله خالدًا باقيًا ومميزًا، ومن هذه الظواهر: تواتر المبالغة، وتضخيم الصورة، ومنها نزوع المتنبي نحو القوة، فهي الطابع الملحمي لا سيما في وصف الحرب والقتال، وهذا نابع من تفرده في وصف الأشياء المتحركة، مما يضفي على شعره الحيوية والنشاط، وهذه النوعية الملحمية تستأثر باهتمام القارئ، لأنها تشبع فيه جنوحًا نحو القوة من أجل إثبات الذات. أما الظاهرة الثالثة فهي ظاهرة التقابل، وهذا التقابل هو نتيجة لازدواجية حادة في شخصية المتنبي تمثلت في التقابل بين التسامي الحيوي، والتشاؤم ألعدمي مما عمق حس التضاد في وعيه الفني، وبما أن كل تضاد يعكسه الفن يغذي العقل ويشده إليه نظرًا لأن العقل لا يمكن لشيء أن يجتذبه أكثر من التضاد نجد أن إنتاج التضاد والتقابل عمقت لدى المتنبي حس الأزمة والتوتر وجعلته يقيم مبالغات أدبية على مبدأ المفارقة حيث تواتر في شعره الطباق كعامل شعوري للتضاد ليؤدي وظيفة اجتذاب المتلقي مع تحقيق عنصر التنوع التعبيري، وقد عمق وعي التضاد حس الحركة في شعر المتنبي، ويعتبر عنصر الحركة في شعر المتنبي علامة مايزة ولفتت انتباه القدامى والمحدثين حيث يؤكد اليوسف على دور الألفاظ الدالة على الحركة في التأثير على المتلقي وهو ما يسميه اليوسف المستوى الباطني في التأثير الشعري. ومن الأمور الفنية الأخرى التي تميز شعر المتنبي، تقديم المفعول به على الفاعل، والفصل بين الفعل والفاعل بشبه جمله غالبًا ما تكون جارًا ومجرورًا، وإرجاء الخبر إلى مواقع بعيدة، والفصل بين الجار والمجرور، وبين ما يتعلق بهما بفاصل لفظي قد يطول وقد يقصر. 

وقد توصل اليوسف أيضًا إلى أن المتنبي هو المعادل الموضوعي لعصره، وهو مرآة عكست الشرخ الحضاري لعصره ، وأن استمرارية المتنبي وصموده جاءا نتيجة لتجذر المتنبي في عصره، أو تجذر العصر فيه، وأنه استطاع أن يعكس العصر بكل تناقضاته، فشعره يتضمن رؤى سياسية عميقة، كما أنه تمكن من التعبير عن القلق الوجودي والصراع الداخلي لدى الإنسان بين الوجود والعدم، وهي من الأسباب التي حمت شعر المتنبي من الاندثار والنسيان، وجعلته يظل قادرًا على استنفار أجهزة التلقي عند القراء المفترضين. ويرى اليوسف أيضًا أن من أسباب خلود شعر المتنبي هو تعامله مع القضايا الأكثر ارتباطًا بالقيم الإنسانية والأكثر تأثيرًا في النفس، وهو أمر متأصل في النفس العربية وبخاصة فيما يتعلق بالأنفة والرجولة وتمجيد الأنا. بمعنى أن المتنبي - كما يرى اليوسف- استطاع أن يضع يده على جوهر الكينونة العربية مجسدًا بذلك قيمها الكبرى، وبذلك ظهرت قوته لأنه يستثير في داخلنا حاجة، ويشبعها، ويعزز في أعماقنا تلك القيمة الأساسية، وهي قيمة القوة، فقد جسد المتنبي المطلق بتجاوزه للظرفي والمرحلي، فشعره لم يكن فقط إنتاجا لزمنيته الصغرى في لحظاته القوية، وبذلك أصبح شعره نصًّا جامعًا يشتمل على تجارب الشعر العربي السابقة، ويمثل شحنة وجدانية وأملاً متجددًا لا سيما أن الأمة العربية الحديثة منيت بهزائم ونكسات وإخفاقات سياسية كبرى، وهي أوضاع مأزومة تستدعي صوت المتنبي بما يمثله من قوة وعنفوان ورجولة. 

في الواقع نجد أن كل هذه النظريات والتفسيرات رغم عمقها وتنوعها، ورغم كل ما حشدته من مسوغات وأدلة وتأويل لدعم ما تطرحه ظلت قاصرة عن تقديم فهم لسر خلود المتنبي وبقائه، وهي في الواقع ليست سوى وصف لعبقرية المتنبي المذهلة من عدة جوانب، حيث ظلت هذه العبقرية سرًا محكم حتى هذا الحين... فما الذي جعل المتنبي إذًا كما وصفه كثيرون داهية، مر اللسان شجاع؟ ومن أين جاءه ذلك السمو، والرفعة، والغرور، والطموح، والزهو، والكبرياء، والشموخ والخيلاء؟ ما الذي أبرز شخصيته بتلك الطريقة القوية ودفعه ليقول من الشعر ما يشير إلى ادعائه النبوة؟ مثل :

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي... وأسمعت كلماتي من به صمم
وقوله:
أمط عنك تشبيهي بما وكأنه.....فما أحد فوقي ولا أحــــد مثلي
وقوله :
إن أكن معجبًا فعجب عجيب.....لم يـجد فوق نفسه من مزيد
وقوله:
أنا في أمة تداركها الله................ غريب كصالح في ثمود
وقوله : 
ما مقامي بأرض نخلة إلا..............كمقام المسيح بين اليهود

ثم من أين جاء المتنبي بكل هذه القدرة على التعبير اللغوي المهول والمميز الذي جعله سيد الشعراء، بل "آخر الشعراء" كما يقول البرقوقي في مقدمة كتابه "شرح ديوان المتنبي"؟ ما الذي جعله رب المعاني الدقاق كما يقول هو؟ 

ودع كل صوت غير صوتي فإنني .....أنا الصائح المحكي والآخر الصدى

وقوله :
وما الدهر إلا من رواة قصائدي....إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا



وقوله :
أمط عنك تشبيهي بما وكأنه ...فما احد فوقي ولا احد بعدي


وقوله : 
أنا السابق الهادي إلى ما أقوله ..إذا القول قبل القائلين مقول


وما سر أن يطلق عليه أحدهم عندما رثاه بالنبي، حيث قال أبو القاسم مظفر بن علي الطبسي:


هو في شعره نبي ولكن....ظهرت معجزاته في المعاني

وما الذي جعل شعر المتنبي ليس كمثل الأشعار رغم أنه يستخدم المفردات نفسها وربما أيسر المفردات؟ وما سر اختلاف طريقَته في التوليد؟ وما الذي جعل شعره مميزًا وأعظم بلاغة حتى حينما يقول ما سبقه إليه الآخرون، أو حينما تتوارد الأفكار أو تتطابق مع الآخرين؟ ما سر مهارة المتنبي ونبوغه وهذه القوة المهولة التي ينهل منها أشعاره وصفاته الشخصية الاستثنائية؟ 

واضح أن المتنبي نابغة يمتلك ذهنًا استثنائيًا وهذا الذهن يتلقى قدرته الخارقة من قوة لم يمط أحد حتى الآن عنها اللثام ...أحيانا يطلق عليها بعضهم وحي الشعر، وآخرون يطلقون عليها شيطان الشعر، وغيرهم يسمونها بالبصيرة... وبعضهم الآخر يظن أنها من الجن والجنون . 

إ
ن سر عبقرية المتنبي ونبوغه وبالتالي خلوده وبقاؤه يكمن في يتمه المكثف، ومأساوية طفولته، ثم تكرار الفجائع في حياته، فهو وكما يقول طه حسين يتيم الأم ويتيم الأب تربى في البادية في سنوات طفولته الباكرة، فهو غير معروف النسب حتى أن طه حسين يعتقد أنه عاش حياة شاذة ، ثم نجده قد أصبح يتيم الوطن في حداثة سنه، ثم فجع بموت جدته التي كانت له بمقام الأم وعملت على تربيته دون أن يراها، ثم أصابته محنة السجن، ويبدو أن قدرته المهولة وتميزه وعنفوانه وتفاخره أثار الناس من حوله فحسدوه وحاربوه وناصبوه العداء فكان يتيمًا اجتماعيًّا أيضًا.

ولقد أكدت دراستي حول "العلاقة بين اليتم والشخصيات الخالدة " ، إلى أن معظم الخالدين المائة أفراد العينة الواردة أسماؤهم في كتاب مايكل هارت وترجمة أنيس منصور هم أيتام وبنسبة 53% يتمهم مؤكد، وهي نسبة تتجاوز عامل المصادفة وإذا ما اعتبرنا أن المجهولة طفولته من بين أفراد العينة نفسها يتيم أيضًا فتكون النسبة 98% ، ويبدو واضحًا أن اليتم وهو العامل المشترك الأعظم عند أفراد العينة هذه، هو دون شك السبب لخلودهم، وهو حتمًا السبب وراء خلود كل عبقري فذ عبر التاريخ والمتنبي ليس استثناءً. 

هذا اليتم الشخصي واليتم الاجتماعي والفجائع والمحن المتكررة وعلى رأسها الموت هو الذي فجر لدى المتنبي طاقات عقله الخارقة، وجعلت عقله يعمل بوتيرة عالية جدًا واستثنائية، وقد أكدت دراستي المذكورة على أن العلاقة بين الفجائع والمحن التي يمر بها اليتيم تتناسب طرديًّا مع مستوى الطاقة المتولدة في الدماغ، وبالتالي كلما كانت الفجائع أعظم، ومآسي الحياة أعمق وأكثف ومتكررة كانت نسبة الطاقة المتدفقة في الدماغ أقوى، وبالتالي تكون العبقرية أعظم، وهذه العبقرية هي المسئولة عن البقاء والخلود عند كل شخصية خالدة عبر التاريخ والمتنبي ليس استثناءً أيضًا. 

هذه الطاقة هي التي تعطي الشخص صفاته الشخصية، وهي التي تَصبِغ قدراته الفنية والإبداعية بصفتها المحرك الذي ينهل منه العقل، وكلما زاد دفق الطاقة هذه في الدماغ انعكس ذلك على كافة صفات الفرد المبدع وقدراته الإبداعية، فكل تصرفات الفرد وسماته وصفاته هي عبارة عن مظهر من مظاهر تلك الطاقة المتفجرة في الدماغ..ولا شك في أن التدقيق في مسلسل حياة المتنبي يظهر أنه كان مأساة متصلة متواصلة أدت إلى تفجر طاقات مهولة في عقله تجلت لاحقًا على عدة أشكال فنية وسمات شخصية مميزة. 

إن سر خلود المتنبي يكمن في طاقة عقله الخارقة، والتي فجرتها ظروف حياته المأساوية والشاذة، حسب رأي طه حسين، فلا وحي للشعر عنده ولا شيطان ولا جني اسمه عبقر مسئول عن عبقرية المتنبي وبالتالي خلوده، وإنما المسئول الأول والأخير والوحيد هو هذه الطاقة الخارقة التي تفجرها المآسي والفجائع في الذهن، ولو أن ما أصاب المتنبي بكل تفاصيله أصاب شخصاً آخر، وعلى افتراض أن ذلك ممكنًا، لحصلنا على نسخة أخرى من المتنبي. 

وكما تشير نظريتي في تفسير الطاقة الإبداعية فإن يتم المتنبي، ومجموع مآسي حياته قد تسبب في دفق هائل من الطاقة في دماغه، وبغض النظر عن الطبيعة والكيفية التي يحدث فيها ذلك بمعنى، هل يتسبب الفقدان بزيادة في الطاقة كنتيجة لزيادة في إفرازات هرمونيه، معينة تم التعرف عليها طبيًّا مثل هرمون الأدرنالين؟ أم أن هناك إفرازات هرمونيه أخرى ما يزال الطب يجهلها وهي التي تفرز كنتيجة لتجربة الفقدان، وتكون هي المسبب بتولد تلك الطاقة؟ أم أن الطاقة الزائدة تكون كنتيجة لزيادة في كهرباء الدماغ أو أنها طاقة كهرومغناطيسية؟ فإن عبقرية المتنبي وقدراته الفذة وكافة السمات الإبداعية والشخصية لديه على اختلاف أشكالها ما هي في الواقع إلا ترجمة وتجليات لهذه الطاقة الذهنية المهولة التي تتفلت وتتولد في أوقات لاحقة إلى مخرجات متعددة الأشكال والتركيز، ويمكن أن تكون إبداعية creative وهي بارزة عند المتنبي في قدرة على نظم الشعر أو مدمرة destructive خارجية أو ذاتية وهي موجودة عند المتنبي أيضًا، وتظهر في حبه وتمجيده للقتال والقتل حتى أن بيت شعر قتله في نهاية المطاف كما تقول الرواية.

إن الطاقة
 التي تتدفق في الدماغ كنتيجة للفجيعة الناتجة عن اليتم أو حالة الفقد الوالدي تمثل أعلى حالات الدفق من الطاقة، والتي تؤدي إلى أن يعمل الدماغ بأعلى وتيرة ممكنه، وتترجم هذه الطاقة إلى إبداع استثنائي متميز، وفي أعلى حالاته إذا ما ترجمت هذه الطاقة بصورة ايجابية خلاقة، أو ربما التدمير في أعلى حالاته (الخارجي تدمير الآخرين، والداخلي تدمير الذات ) إذا ما ترجمت هذه الطاقة بصورة سلبية. 

إن هذه الطاقة هي المسئولة تحديدًا عن عبقرية المتنبي، وهي السر وراء هذه العبقرية، وهي التي جعلته يظل شاغل الناس ومالئ الدنيا، وجعلت شعره إعجازيًّا في معانيه، وهي حتمًا التي جعلت من لغته، وتراكيب أشعاره، وعمق موضوعاتها أمرا نادرًا وخالدًا، فهذه الرموز اللغوية تعكس وتحمل في ثناياها طاقة خارقة هي طاقة ذهن المتنبي الخارقة والمتفجرة، ولذلك يظل لها وقع على المتلقي المفترض عبر الزمن تسبب له الذهول والإدهاش لأنها تعمل بتردد عال غير مألوف عند المتلقي، وهذه السمةهي التي تجعل العبقري كرزميًّا قادرًا مميزا، يبدو وكأنه من زمن آخر، ومستوى آخر، ويكون لقوله ولغته أثر يشبه السحر، ويتطلب فك رموزها قدرة عقلية تعمل بمستوى طاقة عال أيضًا لا تتوافر عند كثير من الناس، وأحيانًا كثيرة يتم اكتشاف هذه العبقرية وفهم مظاهرها الإعجازية بعد مرور زمن طويل، حيث يكون للتراكم الثقافي والتقدم العلمي دور في فكفكة أسرارها. 

وهذه الطاقة الخارقة التي فجرها يتم المتنبي هي المسئولة عن تضخيم الأنا لديه، فمن الطبيعي أن يحس المتنبي وقد امتلك مثل تلك الطاقة الاستثنائية أن لا أحد فوقه، ولا أحد أحسن منه، وأنه بمقام الأنبياء. وهذه الطاقة هي المسئولة عن قدرة المتنبي على الإتيان بنوادر لم تأت بشعر غيره، وأن يمتلئ شعره بالحكم والأمثال، وحتى استقراء المستقبل والتنبؤ به، وكأن زيادة نسبة الطاقة في الدماغ تفجر منابع ومستويات أعمق من المعرفة، وتحسن القدرة على الوصف والربط بين الكلمات والمعاني والصور البلاغية، وكل ما إلى ذلك من صفات ومميزات فنية مؤثرة، فيكون الكلام ليس كباقي الكلام، فيظن المتنبي، وقد حصل ذلك حتمًا حينما وجد بأن طريقته في القول والتي كأنها فرضت عليه فرضًا، أنه شخص ملهم، فذ، خارق، ضخم ، أفضل وأحسن وفوق كل من يعاصره... فينساق لادعاء النبوة ...فحتى هو نفسه تدهشه هذه القدرة غير المفهومة التي تسيطر علي كيانه، ونجد عندها من ينعته بآخر الشعراء وأمير الشعراء وما إلى ذلك من نعوت وصفات تصل إلى حد الانبهار والشغف والتقديس .

إن هذه الطاقة المتدفقة في ذهن المتنبي هي التي جعلته قادرًا على أن يشارك الناس آمالهم وآلامهم، وأن يتمكن من تصوير علل أخلاقهم وامراض قلوبهم، وأن يصف العلاج لها، وحينما يتبنى مقولة العزة والكرامة والقوة يتمكن من عرضها بقوة ذهنه وطاقاته المتفجرة بصورة لم يسبق لأحد أن عرضها، فتظل تحمل في ثناياها الإدهاش.


وان الأيتام والمتنبي أحد روادهم، أقدر على تقديم صياغة عجيبة وثرية يملؤها الصدق والمشاركة الإنسانية في الشعور، وذلك بمقاييس عقل الإنسان العادي، وحتى عقل الإنسان الذي يعمل عقله بوتيرة أقل، فالمعاناة من اليتم عنده في أعلى حالاتها ولذلك يظل المتنبي في القمة لأزمان طويلة قادمة

واليتم وتلك الطاقة المتفجرة في ثنايا الدماغ كنتيجة له هي المسئولة عن عدم الاستقرار في الشخصية بشكل عام ، فالحيوية والفعالية في الشعر انعكاس لمستوى عال من الطاقة إذا ظلت ضمن حدود السيطرة، والنرجسية والسادية والتي يعتبرها اليوسف المحرك للطاقة الإبداعية عند المتنبي ما هي إلا مظهر من مظاهر الشخصية، عند شخص يمتلك طاقة ذهنية هائلة تخرج أحيانًا عن السيطرة، فالسادية والنرجسية حالات مرضية، وليستا حالات إبداعية ، فنجد النرجسي والسادي يحب ويحيا بعمق ويكره ويموت بعنف بفعل الطاقة التي يمتلكها...والصحيح أن السر عند المتنبي في حبه المتطرف لنفسه وعشقه للموت يكمن في تلك الطاقة المتفجرة في ثنايا الدماغ، فهي ليست بالضرورة حالة مرضية، فقد امتلك المتنبي وسائل تفريغ لتلك الطاقة جعلته يحقق التوازن في الغالب من خلال قدرته الفذة على القول. أيضًا نجد أن القلق والصراع الوجودي يتضخم لدى مالك تلك الطاقة الذهنية الاستثنائية، والمتنبي ليس استثناءً. 

وإن كان موت الأم وتوقيته يصنع الشعراء المرهفين الذين يتميزون بقدرتهم على القول فإن موت الأب وتوقيته هو الذي يصنع القادة العظام، كما أشارت دراستي حول اليتم والشخصيات الخالدة، فالمتنبي شاعر فذ، وقائد امتلك كل الصفات القيادية، وظل يطمح ويسعى طوال حياته في أن يتولى ولاية فعلية، ولم يرض أن يكون أميرًا للشعراء، بل إمبراطورًا للشعر، فطاقاته المتفجرة في دماغه كانت أعظم من أن يتم ترويضها بولاية الشعر فقط ، فجاء سعيه من أجل الولاية الفعلية كمظهر آخر من مظاهر تجسيد تلك الطاقة المتدفقة في ذهنه، وما عشقه للقتال والفروسية، وتخليده لمقولة القوة إلا انعكاس لسمات الشخصية القيادية التي تملكته. 

خلاصة القول إن سمة الخلود والبقاء هي في الواقع أحد مقاييس العبقرية، وهي مؤشر على مدى ما يتمتع به المبدع من طاقة تفجرت، في دماغه كنتيجة لمآسي طفولته، وعلى رأسها اليتم، إضافة إلى محنه المتكررة والتي استمرت عبر زمانه ليظل نبع الطاقة يتجدد في ذهنه ويتكثف، وبالتالي فإن العبقرية هي مقياس لكثافة تلك الطاقة التي قد تدفع الدماغ الخارق في قدرته كما يقول د. أحمد توفيق في كتابه " أيقظ قوة عقلك الخارقة" ليعمل بصورة خارقة مهولة وخارج النواميس والأطر المعروفة، وكأنها قدرات سحرية تحاكي قدرات العقل الكوني، وهي بالتالي مقياس للمآسي التي تصيب الشخص المبدع عبر حياته، فيتوتر دماغه، ويعمل بطاقة فوق عادية، وتحرك قوى العقل الخارقة الدفينة، والنصوص والأعمال الإبداعية والقيادة الفذة تتضمن حينما تتولد في ثناياها، وتعكس نسبة تلك الطاقة المهولة المتفجرة في دماغ المبدع أو القائد، وكلما كانت نسبة الطاقة مرتفعة كنتيجة لتلك المآسي خلدت النصوص الإبداعية وطال بقاؤها.


ولا شك في أن مآسي حياة المتنبي هي التي فجرت في ذهنه قوى العقل المهولة الخارقة، فعمل عقله خارج الأطر المعروفة، فجاءت إبداعاته خارقة سحرية لأنها تحمل في ثناياها طاقة هائلة، وبقي المتنبي وخلد وخلدت أعماله لأنها تحمل في طياتها انعكاسًا لتلك الطاقة المهولة التي فجرتها مآسي حياة المتنبي...فكانت السر وراء بقائه وخلوده والذي هو استثنائي بكل المقاييس كما هي طفولة المتنبي وحياته.


---------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hommane
كاتب فعال
كاتب فعال
hommane


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 1002
نقاط : 1649
السٌّمعَة : 143
تاريخ التسجيل : 06/05/2012
العمل/الترفيه : foot_ball

الأوسمة
 :  

المتنبي - سر بقائه وخلوده؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: المتنبي - سر بقائه وخلوده؟   المتنبي - سر بقائه وخلوده؟ Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2013 4:44 pm

مشكور على ما تتفضل  بانتقائه من جيد ومفيد وتقديمه  لنا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المتنبي - سر بقائه وخلوده؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  شرح المشكل في شعر المتنبي
» شرح ديوان المتنبي
» أعلام الشعراء-2-/ المتنبي
»  مرحبا بكم للمشاركة معنا بأعلام الشعراء-2-/ المتنبي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الفردوس المفقود :: منتدى الثقافة والأدب :: الثقافة والأدب-
انتقل الى: