سركون بولص، وحديثه عن التحولات الثلاث في فكر نيتشه 3 مايو,2020,
أحمد بادغيش في
الإنتاج الفني والسردي,
مواضيع عامة، ونصوص مهمة
سركون بولص (1944 – 2007) شاعر عراقي، قدّم العديد من الدواوين الشعرية، بالإضافة إلى ترجماته للعديد القصائد إلى اللغة العربية لعدد من الشعراء، مثل (
تيد هيوز).
في كتابه (
الهاجس الأقوى عن الشعر والحياة)، تطرّق (بولص) إلى “
التحولات الثلاث” التي ذكرها الفيلسوف (
فريدريك نيتشه) في كتابه الأشهر (
هكذا تكلم زرادشت)، وقام بشرحها بشكل لطيف، ضمن مقالة حملت عنوان “ملاحظات على الشعر والتحولات الثلاث”. يقول (بولص):
[quote=[سركون بولص] – الهاجس الأقوى عن الشعر والحياة]“هناك مثال يصف
علاقة المبدع بالعالم في “التحولات الثلاثة”، وهي أول خطبة يفتتح بها (نيتشه) كتابه (هكذا تكلم زرادشت)، يقول فيها كيف ينبغي للروح أن تصير جَملًا في المرة الأولى، ثم يصبح أسدًا، وفي النهاية يتحول الأسد إلى طفل.”[/quote]
يبدأ (بولص) في شرح الحالة الأولى، وهي
حالة الجَمل، فيقول:
[quote=[…]]“ويرمز الجمل إلى
مهمة القيام بحمل أعباء العالم والمعيشة فيه، بينما يقتات على الشوك والعاقول ليشبع جوعه إلى الحقيقة. إن مشيئة الإنسان الخلّاق، يقول (نيتشه)، ترضخ لضرورة التعلم من الظواهر والوقائع والأشياء بأن تصير جزءًا من مسار العالم، وأن تتفاعل مع قضايا العالم الحديّة، هذه هي الخطوة الأولى.”[/quote]
ومن ثم، يبدأ في شرح الحالة الثانية، وهي
حالة الأسد، قائلًا:
[quote=[…]]“لكن
الروح، بعد ذلك، تحتاج إلى الاستئساد في صراعها مع العالم لكي تنحر تنين القيم الخارجية، […] بهذا الفعل تتخذ الروح كينونة قادرة على الحرية والخلق من جديد. هذه هي المرحلة التي ينبذ فيها الشاعر جميع الآراء السابقة ليجد منابعه ومراجعه الخاصة.”[/quote]
وأخيرًا تكون
حالة الطفل، هي ختام التحولات الثلاث. فيقول (بولص):
[quote=[…]]“وأخيرًا
على الأسد أن يصبح طفلًا، لأن الروح الجديدة لن تدخل إلى العالم سوى عن طريق الطفل الذي يملك البراءة والقدرة العفوية على النسيان. وهذه هي لحظة الخلق الأصيل؛ يستدير الشاعر بكامل وجوده إلى لحظة كتابة بعقل البدايات، حرًا من جميع الدوافع الأخرى، ما عدا رغبته في أن يقول ما يريد، كما ينبغي أن يُقال.”[/quote]
يعقب على ذلك (بولص)، فيقول عن الفنانين عمومًا، مخصصًا حديثه عن الشعراء منهم:
[quote=[…]]“
الشعر بلا رؤيا، لا يمكن أن يحمل أية قيمة جوهرية من حيث كونه شعرًا، وليس لعبة ذهنية أو لفظية. وبالرؤيا، لا أعني هنا شطحة الخيال المغمضة العينين […] ذلك أن رؤيا الشاعر ليست واسطة، ليست جسرًا إلى مدى آخر، بل هدف بحدّ ذاته من حيث أنها تجسيد للعالم بوجهيه، الظاهر والكامن.”[/quote]
وربما يصدق على ذلك قوله، في أحد اللقاءات الصحفية، والتي نُشرت في مجلة (السفير) عام 2000م، إذ قال:
[quote=[…]]“
طبيعي أن الشاعر الحقيقي يعيش الشعر دائمًا في كل لحظة في حياته.“[/quote]
“إضافة إلى الكتابة، فإنني أقرأ الكثير. بيد أن الكتب هي أكثر الأشياء التي أستمتع بها”. فرجينيا وولف تتساءل: لماذا نقرأ؟ وماهي أوجه الشبه بين أعظم الأعمال الأدبية؟ 15 مارس,2020,
دلال الرمضان في
مواضيع عامة، ونصوص مهمة
- اقتباس :
- تترابط عقولنا، نحن البشر، ببعضها البعض. فكل عقل متقد اليوم، يحاكي عقولاً عظيمة كانت موجودة فيما مضى، أمثال (أفلاطون) و(يوربيديس) إذ يمثل تطوراً واستمرارية للشيء ذاته. إنه ذلك الفكر المشترك الذي يربط العالم بأسره .فالعالم، في جوهره، ليس سوى فكر.
لقد أدرجت (
باتي سميث) ضمن قائمة المعايير التي وضعتها لتصنيف الروائع الأدبية، قدرة هذه الأعمال على سحر قارئها إلى الحد الذي يشعره بضرورة إعادة قراءتها مرة أخرى. في حين اعتبرت (
سوزان سونتاغ) أن عملية إعادة القراءة، تلك، هي بمثابة ولادة جديدة للنص. وأظنني أُوافقهما الرأي في ذلك، عن طيب خاطر، لأنني أواظب على قراءة رواية (
الأمير الصغير) مرة في كل عام. إذ أجدها تبوح لي، في كل قراءة، بمعان جديدة، ومرممات وجودية لكل ما يمكن أن يعكر صفو حياتي في تلك اللحظة.
قد نلجأ، نحن القراء، إلى إعادة قراءة بعض الأعمال المحببة إلينا، لأننا ندرك عدم استمرارية التجارب الإنسانية، بالإضافة إلى آنية تلاقي الحالات والظروف التي تكوّن الذات البشرية في أية لحظة من الزمن. ناهيك عن إدراكنا لتطور شخصياتنا في العام المقبل، إذا ما قورنت بها في العام الفائت، لتغدو أكثر نضجاً في مواجهة كافة التحديات، و الآمال، والأولويات. حيث تصبح ذاتاً جديدة، مختلفة كلياً عنها فيما مضى.
كانت (
فرجينيا وولف) في الحادية و العشرين من عمرها حين سجلت هذا الاعتراف، بصفاء ذهني لا يضاهى، وألق لغوي فريد. ففي صيف عام 1903، انزوت (وولف) بعيداً عن صخب مدينة لندن، لتذهب في إجازة قضتها بين رحابة، وخضرة الريف الإنكليزي، لتستمتع بعزلتها، وتقرأ ما يحلو لها.
- اقتباس :
- ربما بلغت قراءتي خلال هذه الأسابيع الثمانية في الريف، ما يفوق ما أقرؤه في ستة أشهر أثناء وجودي في لندن.
في غضون تلك الرحلة الاستجمامية مزدوجة الفائدة، والتي حققت فيها مكسب القراءة والتأمل، وصلت (وولف) إلى اكتشاف السبب الحقيقي الذي يجعلنا نقرأ، بالإضافة إلى ما يمكن للكتب أن تقدمه للروح الإنسانية، وكيف لها أن تمهد لما أسمته (
إيريس مردوك):
“فرصة للتجرد من الأنانية”، وكيف يمكن للكتب أن تؤدي براعتها المذهلة في كونها تنشأ عن ذهن شخص معين، لتتمكن من الوصول، بهذه الحميمية، إلى آلاف، أو ربما ملايين الأشخاص عبر الزمان والمكان، في عملية تداخل بين مختلف المشاعر، ضمن تجربة تشاركية واسعة.
في الأول من يوليو، كتبت (وولف) في مذكراتها ما يلي:
- اقتباس :
- إضافة إلى الكتابة، فإنني أقرأ الكثير. بيد أن الكتب هي أكثر الأشياء التي أستمتع بها.
- اقتباس :
- في بعض الأحيان، أشعر بأجزاء من دماغي تتسع و تكبر أكثر فاكثر، و كأنها تنبض بدم متجدد، بشكل أسرع من ذي قبل. وليس هنالك شعور أكثر لذة من هذا الشعور. أما حين أقرأ التاريخ، فكل شيء يصبح ,على حين غرة، نابضاً بالحياة. متفرعاً جيئة و ذهاباً، مرتبطاً بكل أشكال الأشياء التي كانت بعيدة في الماضي. وكأنني أشعر، على سبيل المثال، بتأثير (نابليون) على أمسيتنا الهادئة في الحديقة. لأرى كيف ترتبط عقولنا ببعضها البعض، وكيف يمكن لأي عقل متقد أن يحمل التركيبة ذاتها التي كونت عقل (أفلاطون) أو (يوربيديس) إنها عملية تتمة وتطوير لذات الشيء. هو ذلك الفكر المشترك الذي يربط العالم بأسره، فالعالم، في جوهره، ليس سوى فكر.
في وقت لاحق من حياتها، كتبت (وولف) في وصفها الرائع لإدراك معنى أن تكون مبدعاً، ما يلي:
- اقتباس :
- ثمة مثال يكمن خلف كل حالة ضبابية. هذا العالم عبارة عن عمل إبداعي. لا وجود لـ(شكسبير) فنحن الكلمات في أعماله، أو (بيتهوفن) فنحن الألحان في موسيقاه، ولا لإله، فنحن الشيء بعينه.
بعد بلوغها الحادية والعشرين من العمر، تمكنت (فرجينيا) من إدراك آنية هذه اللمحات الجزئية للحقيقة، وكيف يمكن لهذا الشعور بالانتماء الداخلي، أو ذاك الشعور بالكينونة، أن ينزلق من بين أيدينا. تكمل (وولف) تدوين ذات المذكرات التي كتبتها في عام 1903 بلفتة رشيقة من إدراكها أن
“العالم بأسره ليس سوى فكر” إلى ذاك الهروب المألوف للمعنى، حينما تجتاحنا تلك الحالة الضبابية لتحيلنا غرباء، مرة أخرى:
- اقتباس :
- ثم أقرأ قصيدة تقول “ذات الشيء يتكرر”. لأشعر أنني تمكنت من القبض على المعنى الجوهري للعالم، و كأن كل هؤلاء الشعراء والمؤرخين والفلاسفة يتبعون طرقاً تتفرع عن ذاك المركز، حيث أقف. ليعتريني بعض الاضطراب بعدها، فيؤول كل شيء للخطأ من جديد.
وبعد أكثر من عقد من الزمن، كررت (وولف) وجهة النظر ذاتها، في واحدة من مقالاتها الاستثنائية التي كتبتها في غضون عملها كناقدة في الملحق الأدبي لصحيفة التايمز البريطانية، والتي تم جمعها، مؤخراً , في كتاب تحت عنوان (
نبوغ و حبر؛ مقالات للكاتبة (فرجينيا وولف) حول كيفية القراءة) هذا الكتاب الذي كنت سأدرجه، بكل شغف، ضمن قائمة كتبي المفضلة لهذا العالم، لو كنت من أولئك الذين يفضلون إعادة قراءة الروائع الأدبية المحببة إلى قلوبهم.
كما هو حال الشاعرة البولندية الحائزة على جائزة نوبل للأدب (
فيسوانا شيمبورسكا) التي اتسم نقدها التأملي بكونه يوظف الكتب كنقطة انطلاق لتأملات سامية حول الفن والحياة، أكثر من كونها نماذج للمراجعة أو النقد، تعامل (وولف) كل كتاب تقوم بمراجعته كحجرة سقطت من جيب معطفها في نهر الحياة [*]. حيث تقوم برصد الصيغة الأساسية للعمل، ومن ثم تراقب حلقات الإدراك التي تتنامى وتترقرق في نهر الوعي . في أولى مقالاتها من تلك السلسلة التي تناولت فيها روايات الكاتبة (
تشارلوت برونتي)، تبنت (وولف) وجهة نظر عميقة حول نشأة الروائع الأدبية، والذي نعاود الرجوع إليه مراراً، وتكراراً :
- اقتباس :
- ثمة ميزة تتشارك بامتلاكها كافة الأعمال الأدبية الحقيقية. ففي كل قراءة لها، يلاحظ القارئ تغييرات طفيفة. كما لو أن نسغ الحياة يجري في أوراقها. أو أنها تمتلك، كما هو حال السماء و النباتات، القدرة على تغيير شكلها ولونها بين فصل و آخر. إن تدوين انطباع القارئ حول مسرحية (هاملت) بعد قراءتها في كل عام، من شأنه أن يصبح أشبه بسيرة افتراضية لكاتبها. فكلما ازدادت معرفتنا للحياة، كان لدى (شكسبير) تعقيباُ على ما عرفناه.
[المصدر][*] يقصد بها الإشارة إلى حادثة انتحار (فرجينيا وولف)، حيث ملأت جيوب معطفها بالحجارة وألقت بنفسها في نهر أوز.
كانت الليبرالية المبكرة فردية في الأمور العقلية، وكذلك في الاقتصاد، ولكنها لم تكن تفرض ذاتها في الجانب الانفعالي أو الأخلاقي. برتراند راسل يشرح نشأة الحركة الليبرالية الغربية 12 يناير,2020,
أحمد بادغيش في
مواضيع عامة، ونصوص مهمة
برتراند راسل (1872-1970) فيلسوف وعالم منطق ورياضي وأيضاً هو مؤرخ وناقد اجتماعي بريطاني. في سلسلة كتبه (
تاريخ الفلسفة الغربية)، والمكوّنة من ثلاث أجزاء، آخرها هو (
الفلسفة الحديثة) من ترجمة الأستاذ (محمود الشنيطي)، والذي تحدّث (راسل) عن الحراك الليبرالي، فيقول مستفتحًا:
- اقتباس :
- إن نشأة الليبرالية في السياسة وفي الفلسفة، تزودنا بخامة لدراسة مسألة غاية في العموم والأهمية، وأعني بها: ماذا كان تأثير الملابسات السياسية والاجتماعية في أفكار المفكرين والمبدعين؟ وبالعكس، ماذا كان تأثير هؤلاء الرجال في التطورات السياسية والاجتماعية التالية لهم؟
- اقتباس :
- وثمة غلطتان متعارضتان، شائعتان كلتاهما، ينبغي أن نأخذ حذرنا قبلهما. فمن جانب الرجال -الذين هم أكثر إلفًا للكتب منهم إلى الأعمال- خليقون أن يبغالوا في تقدير تأثير الفلاسفة. حين يرون حزبًا سياسيًا ما يعلن أنه قد أُلهم بتعاليم هذا المفكر أو ذاك، فإنهم يظنون أن أفعاله يمكن أن تنسب إلى هذا المفكر أو ذاك، بينما، وليس هذا قليل الحدوث، يهلّل الفيلسوف فقط لأنه يحبذ ما يميل إلى فعله الحزب في أي حالة.
وكتّاب الكتب حتى إلى عهد قريب، يكادون كلهم أن يبغالوا في تأثيرات أسلافهم من أهل صناعتهم. ولكن على العكس من هذا. ثمة غلطة جديدة نشأت كرد ضد الغلطة القديمة، وتتمثل هذه الغلطة الجديدة في اعتبار أصحاب النظريات كنتاجات سلبية إلى حد ما، لظروفهم، ولا يكاد يكون لهم نفوذ بالمرة على مجرى الأحداث، فالأفكار -تبعًا لهذه النظرة- هي الزبد على سطح تيارات عميقة، تحددها علل مادية وتقنية: فالتغيرات الاجتماعية لا تنجم عن الفكر، كما أن تدفق النهر لا ينجم عن فقاعات الزبد التي تكشف اتجاه التدفق للناظر.
ومن جانبي، فأنا أعتقد أن الحقيقة تقع بين هذين الطرفين. فبين الأفكار والحياة العملية، كما هو الشأن في كل مكان، ثمة تفاعل متبادل. والتساؤل عمّا هو علّة وعمّا هو معلول تساؤل غير ذي جدوى شأنه شأن مشكلة الدجاجة والبيضة. وسوف لا أضيع الوقت في مناقشة هذه المسألة في التجريد، وإنما سأنظر نظرة تاريخية في حالة واحدة مهمة من حالات المسألة العامة، أعني بها تطور الليبرالية وفروعها منذ نهاية القرن السابع عشر إلى أيامنا.