عندما تختل معايير التقييم والتقويم
لن أدخل في متاهات تعريف " التقييم" و " التقويم" التي لا يخلو منها مفهوم من مفاهيم البيداغوجيا والعلوم الإنسانية بصفة عامة. فما أن يتم تقديم مفهوم جديد حتى يبادرك الكاتب بعدم وجود مفهوم محدد جامع مانع ويسهب في سرد التعاريف التي تتعدد بتعدد أصحابها.أعتمد على تجربة الممارس داخل الفصل وذكاءه في فهم المقصود.
في ظل " مدرسة النجاح" التي سطع نجمها مع المخطط الاستعجالي واحتلت الحيز الأكبر من تفكير وشعور القائمين عليها لغاية في نفس يعقوب بعد التصنيف المتقدم الذي يحتله المغرب في ذيل تقارير المنظمات الدولية التي تهتم بالشأن التربوي والتعليمي والتنموي والاجتماعي للدول وكان آخرها تقرير UNESCO ، سادت الساحة التعليمية مجموعة من القيم الجديدة سعت إلى تغيير ما بنفس المدرس حول تمثله لمفهوم " النجاح" كما درسه بمركز التكوين ومارسه خلال مساره المهني بل وعاشه في حياته الدراسية قبل هجوم " مدرسة النجاح".
كان الاستحقاق هو الفيصل في تحديد عتبة النجاح والفشل، وكان محط إجماع الفاعلين على مختلف مستوياتهم، وكانت النخبة من المتعلمين هي من تستطيع المرور إلى المستويات العليا بمختلف الفصول الدراسية.
وانقلبت الموازين
مع مجيء مدرسة النجاح اختلت المعايير ، وأخذ مفهوم النجاح تعريفا آخر غير المتعارف عليه ، وكرست بيداغوجيا الإدماج هذا المفهوم وأسست لفكرة ظهور كفاءة المتعلم بعد مراحل زمنية متباعدة قد تصل لسنوات، وهو حق أريد به باطل، فترسخ لدى المدرس أن التلميذ يستحق النجاح حتى وإن حصل على نقط متدنية في المواد الأساسية، ومع مدرسة النجاح قد يصير عبقريا في القريب العاجل!! فقط ادفع به إلى المستوى التالي عملا بقوله تعالى ادفع بالتي هي أحسن). وبالتي هي أحسن يتعامل المدرس مع إجراءات الخريطة المدرسية التي تعمق الشرخ وتفتل في حبل النجاح الإجباري بعيدا عن الاستحقاق بفرضها لنسبة معينة سلفا كعتبة للنجاح. فإذا أعطى الاستحقاق نسبة نجاح تصل 60% مثلا والخريطة المدرسية تطلب 80% فالمدرس مضطر لإنجاح عناصر لا تسحق ذلك ، وهكذا أصبح يتكدس لدينا كتلا تلمذية تنتظر اكتساب المؤهلات الأساسية- وليس المهارات كما يجب- لتهييئها للاندماج في سوق الشغل مبكرا عن طريق تكوين مهني إن كان هذا الأخير يستوعب الموجة العارمة من الشباب.
بين " النجاح" و " الاحتفاظ" يعاني المدرس الأمرين، فمنهم من يتلاءم مع الوضع الجديد تحقيقا للتوازن النفسي ، ومنهم من يقاوم قدر المستطاع وإن اضطر للتفاوض من أجل تخفيف وطأة الخريطة المدرسية وثقافة مدرسة النجاح، والبعض مغيب تماما لا يهمه سوى الحوالة آخر الشهر ليقضي مآربه.
محمد بنيحياالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته