ابن البناء المراكشي .. مرجع أوروبا في الجبر
الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008 - 16:12
هو "أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي" المعروف "بأبي العباس بن البناء المراكشي"، ولد في مراكش بالمغرب عام 654هـ/1256م، وقضى أغلب فترات حياته بها، وهذا هو السبب في انتسابه لها، وبها درس النحو والحديث والفقه، ثم ذهب إلى فاس ودرس الطب والفلك والرياضيات.
وكان من أساتذته ابن مخلوف السجلماسي الفلكي، وابن حجلة الرياضي، وحظي "ابن البناء" بتقدير ملوك الدولة المرينية في المغرب الذين استقدموه إلى فاس مراراً، وتوفي في مدينة مراكش عام 721هـ/1321م.
بدأ "ابن البناء" رحلته مع التعليم بتلقي ما كان شائعا في عصره من علوم اللغة العربية والشريعة الإسلامية فأدخله أبوه الكُتّاب حيث حفظ القرآن وبعض المتون التي تسمى بالأمهات في النحو والصرف والبلاغة والأدب والفقه والأصول، ونبغ في فهمها، وبعد دراستها على يد أساتذة كثيرين مرموقين في مراكش وفي فاس اللتين كانتا حاضرتي العلم ببلاد المغرب في ذلك العهد حيث تعلم ابن البنا علي الطريقة المغربية فألتحق بالكتّاب وقرأ القرآن وتعلم اللغة العربية وعلم العروض والأدب والفقه والأصول، ثم تعلم الطب والحساب والفلك.
وانتقل إلي فاس وحصل فيها العلوم بجامع القرويين وفروعه وأتقن علوما كثيرة وخصوصا الرياضيات وبرع فيها حتى أنتج إنتاجاً غزيرا واثني عليه علماء عصره فقال ابن رشد في كتابه( نيل الابتهاج): لم أر بالمغرب من العلماء ‘لا رجلين: ابن البناء العددي المراكشي في مراكش وابن الشاطر في سبتة"، وقال عنه المقري: "كان ابن البناء شيخ شيوخ العلماء في عصره".
إسهاماته العلمية
تفوق ابن البناء في الرياضيات وخصوصا في حساب الكسور المتسلسلة والجذور الصم ومربعات الأعداد ومكعباتها، وأدخل بعض التعديل علي القاعدة المعروفة بقاعدة الخطأ الواحد وحل بعض المعادلات الجبرية الصعبة بطرق سهلة وقريبة المأخذ، وطور طريقة حساب الخطأين المتبعة في حل معادلات الدرجة الأولي ووضعها بشكل قانون جبري، كما أنه أنجز في الفلك انجازات مرموقة واعتبرت بحوثه اساسا لوضع الازياج وضبط المواقيت وهي بحوث عملية اجري فيها ابن البناء تجارب وسجل مشاهدات.
وجاء في دائرة المعارف الإسلامية أن ابن البناء قد تفوق على من سبقه من علماء الرياضة من العرب في الشرق وخاصة في حساب الكسور، كما عُدَّ من أهم الذين استعملوا الأرقام الهندية في صورتها المستعملة عند المغاربة.
مؤلفاته
ألف ابن البناء أكثر من سبعين كتاباً في الحساب، والهندسة، والجبر، والفلك، والتنجيم، ضاع أغلبها ولم يبق إلا القليل منها، وأشهرها: كتبه "كتاب تلخيص أعمال الحساب"، الذي اعتبره "سمث" و"سارطون" من أحسن الكتب التي ظهرت في الحساب، وظل الغربيون يعملون به إلى نهاية القرن السادس عشر للميلاد.
وكتب كثير من علماء العرب شروحاً له، واقتبس منه علماء الغرب، كما اهتم به علماء القرنين التاسع عشر والعشرين بالكتاب، وترجم إلى الفرنسية عام 1864م على يد (مار Marre) ، ونشرت ترجمته في روما، وأعاد ترجمته إلى الفرنسية الدكتور "محمد سويسي" ثم نشر النص والترجمة مع تقديم وتحقيق عام1969، كما حقق المستشرق الأسباني "فيرنه خينس" مقدمه كتاب "منهاج الطالب في تعديل الكواكب" للبناء وقام بترجمة بعض فصوله إلى الإسبانية عام 1952.
ولديه عدد كبير من المؤلفات والكتب من أهمها : "الجبر والمقابلة"، و"الفصول في الفرائض"، و"رسالة في المساحات"، "الأسطرلاب واستعماله"، "اليسارة في تقويم الكواكب السيارة"، وكتاب "أحكام النجوم"، وكتاب "مقالات في الحساب"، وهو بحث في الأعداد الصحيحة، والكسور، والجذور، والتناسب.
تلخيص أعمال الحساب
قامت شهرة ابن البنَّاء على كتابه المعروف باسم "كتاب تلخيص أعمال الحساب" الذي يُعد من أشهر مؤلفاته وأنفسها، وقد بقي معمولاً به في المغرب حتى نهاية القرن السادس عشر للميلاد، كما فاز باهتمام علماء القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فيشمل النسبة والجبر والمقابلة، وأهتم علماء الغرب بتحقيقه وترجمته إلى لغات مختلفة, حتى أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، وقال عنه "جورج سارتون" في كتابه "المدخل إلى تاريخ العلوم" : "إن كتاب تلخيص أعمال الحساب لأبن البناء المراكشي يحتوي على نظريات حسابيه وجبريه مفيدة, إذا أوضح العويص منها إيضاحاً لم يسبقه إليه أحد, لذا يرى سارتون أنه يعتبر من أحسن الكتب التي ظهرت في علم الحساب.
أما ديفيد يوجين سمث فقد ذكر في كتابه تاريخ الرياضيات أن كتاب تلخيص أعمال الحساب لأبن البناء يشتمل على بحوث كثيرة في الكسور ونظريات لجمع مربعات الأعداد ومكعباتها, وقانون الخطأين لحل المعادلة من الدرجة الأولى.
ويذكر فرانسيس كاجوري في كتابه "المقدمة في الرياضيات" أن ابن البناء المراكشي قدم خدمة عظيمة بإيجاده الطرق الرياضية البحتة, لإيجاد القيم التقريبية لجذور الأعداد الصم.
أما العلامة عبد الرحمن ابن خلدون فيقول في كتابة "مقدمة التاريخ" عن كتاب تلخيص أعمال الحساب لأبن البناء: "وهو مستغلق على المبتدئ بما فيه من البراهين الوثيقة المباني, وهو كتاب جدير بذلك.وإنما جاءه الاستغلاق من طريق البرهان ببيان علوم التعاليم, لأن مسائلها وأعمالها واضحة كلها, وإذا قصد شرحها , إنما هو إعطاء العلل في تلك الأعمال, وفي ذلك من العسر على الفهم مالا يوجد في أعمال المسائل " .