الغناء الشعبي الجاد والقصيدة الزجلية.. أية علاقة لأي أفق؟
مصطفى لمباشري
حين توصد الأبواب في وجه المد الفني, ويضيق عليه الخناق بحكم ظروف خاصة تتحكم فيها آليات معينة تحول بينه وبين الانفتاح على ألف وردة ووردة, وجرف كل الشوائب العالقة الناتجة عن زمن الزجر, وحين تنكمش الذات على نفسها لتغترف رحيق الاستمرار من معين لا ينضب, معين التراث الشعبي الزاخر دفاعا عن مقوماتها, وتوجهها, وقناعاتها ضدا على كل الدعاة, وتحديا لكل الطغاة, وحين يصل الشعر الفصيح إلى أفق مسدود بحكم التطور النوعي الذي عرفه بظهور قصيدة النثر, وما طرحه من ملابسات إلى حد اتهامه بالغموض, وعزوف المتلقين عنه, آنذاك انبثق من صلب زمن الزجر هذا مارد لا يخضع للمواصفات المحددة, ولا للقياسات المتعارف عليها رسميا, محدثا رجة تخلخل الثوابت المؤبدة, وتكنس العفونة الراكدة في المستنقعات التي تطفح بها الساحات. إنها قصيدة الزجل الطافحة بالتنوع, والمستشرفة لآفاق تنير ظلامنا الدامس نحن المتلهفين لكل ما هو جديد يذيب كرات الثلج المتراكمة التي تكاد تحجب عنا الرؤية. ففي الظرف الذي كانت فيه القصيدة الزجلية محصورة في فن الملحون المحتكر, هو الآخر, من طرف فئات اجتماعية معينة إلى حد اتسامه بالنخبوية رغم طابعه الحرفي الشعبي, وبالرغم من انحسارها في الأغنية العصرية دون تداولها كشكل من أشكال التعبير الشعبية الواجب اتساع دائرة توظيفها, والتعامل معها كسائر الأنماط التعبيرية المتعارف عليها أدبيا, في ظل الوضع الشاذ هذا, انبرت ظاهرة المجموعات – كإفراز لظروف استثنائية عايشها المغرب ضمن شروط محلية, وقومية, ودولية – كصوت يغرد خارج السرب الاعتيادي, يحكي هموم الوطن وسجاياه بلغة شعبية تمتاح من رحيق النص الزجلي العريق الذي كاد أن يطويه النسيان لدى معظم الجماهير باستثناء الفئات المحظوظة بحكم الجوار أو القرابة أو الزبونية. لقد تمكنت المجموعات الغنائية[ ناس الغيوان/ جيل جيلالة/ لمشاهب / ولرفاكَ, ومجموعة مسناوة إلى حد ما] من رد الاعتبار لهذا اللون الأدبي المتميز, وانتشاله من شرنقة التناسي والإهمال و اللامبالاة, وفتح آفاق جديدة أمامه إلى درجة أن معظم الزجالين الشباب تربوا في أحضان الظاهرة, وتشبعوا برؤيتها وتوجهها. وحين شبوا عن الطوق تمكنوا من شق طريقهم الخاص, وامتلاك قاموسهم الشعري الطافح بالغنى والقدرة على العطاء. ولعل الإنتاج الزاخر الذي حفلت به قصيدة الزجل في الثمانينات والتسعينات بالأساس ما يؤكد بالملموس المستوى المتميز الذي بلغته هذه القصيدة بحكم تعاطي الزجالين, المتميزين منهم إن على مستوى الشكل أو المضمون بالخصوص, مع النصوص الحديثة, ومحاولة مسايرتها في تجديدها, وكذا إيجاد قاموس شعري يميز كل زجال على حدى. وحين نقر بأن القصيدة الزجلية تربت في أحشاء ظاهرة المجموعات, فليس معنى ذلك أنها تشكل مرجعيتها الأساس, وإنما القصد يتحدد في كونها لم تنبت في فراغ ماحق, بل إن جذورها تمتد إلى حدود أبعد يمكن ملامستها عبر مختلف الدواوين التي تزخر بها الساحة الثقافية ببلادنا رغم الاختلاف الحاصل في تحديد مرجعيتها بين عدد مهم من المواكبين لمسارها. ويبقى التساؤل المطروح مؤرقا لكل من حاول فض بكرة هذه القصيدة المستعصية التي لا زال النقاد المحترفون يتوجسون منها الحذر لاعتبارات خاصة لم يستطيعوا لحد الآن البوح بها.لا نكاد نجزم بفرضية أساس أو بمجموعة فرضيات لتأكيد الحقيقة المرة هذه نظرا لتضارب وجهات النظر حولها, إضافة إلى محدودية الدراسات التي اشتغلت عليها إن على مستوى العروض الشعري, أو على مستوى الحركات أو حتى على مستوى المنهج الواجب توظيفه في التعامل مع النص الزجلي بحكم خصوصيته مقارنة مع القصيد الفصيح. لكن ذلك لن يثنينا عن مقاربة هذا اللون الفني الجميل بشغبه وقدرته على خلخلة القناعات النقدية الثابتة, أملا في رصد بعض المعطيات التي تسمح لنا بتحديد المرجعية الأساس التي ساهمت في تأثيث قصيدة الزجل, وكذا ضبط علاقتها بظاهرة المجموعات مع رسم أفق هذه العلاقة التي بدت للبعض أنها ذات طابع جدلي قمينة بالتبلور مستقبلا.
من أين سنبدأ الحديث عن القصيدة الزجلية ؟ أمن” قفلها ” الموجودة مفاتيحه لدى المكتوين بذات النار السرمدية, والمولعين بفن القول حد النهم ؟ أمن ” مرمتها ” اللامشرعة لتسهيل فض بكرتها هي العذراء المصونة المسورة بين أحضان الكنانيش أو المجامع المحدودة النشر والانتشار عبر الساحة الوطنية ؟ وبالتالي كيف مقاربتها هي العصية عن تسليم ذاتها إلا لمن يعشقها حد الجنون بإجهاد فكره لفك ” براويلها ” عله يتمكن من ملامسة مغاليقها هي الطيعة الأليفة لمن حاول لملمة جراحها, ونفض غبار التهميش عنها بالرغم من كونها قد شبت عن الطوق..؟
من الطروحات السائدة لدى مجموعة من النقاد, وكذا المهتمين بقصيدة الزجل الاعتقاد بأن الملحون يشكل زمن البداية لهذا اللون من الفن الشعبي بحكم جدارته, وانغماسه في الذات المغربية إلى حد أنه غدا يشكل مفخرة لبلادنا وفقا لمقولة أحد الأشياخ المأثورة:
فن الملحون فن سامي ساطع ف ساير لزمان
فيه الحكمة عل لوان
فن الملحون فن باني ما يهدم يا سيادنـا
بالتصوير رفيع غاني والاستعارة كتبان
والتشبيهات يا خواني سلبت لينا ذهانا
أما لفاظ ولمعاني خلاص تحير لذهان
وتطرب كل إنسان خفقت بجمالها كناني
صالت بها بلادنا
وثمة من يدعي بأنه [ أي اللون الشعبي ] انفلت من بين أحشاء ظاهرة المجموعات , حيث سيعرف مدا لم تحلم به الساحة الثقافية بالمغرب إطلاقا لاعتبارات ظرفية خاصة زمن السبعينات بالأساس . وهكذا غدت الساحة الثقافية تعج بمجموعة من الزجالين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: [ ودان, أفندي , لمسيح , عبد اللطيف بنيحيى وإن في نصوص محدودة ]. هؤلاء المبدعون , وغيرهم من الشبان الذين سيأتون من بعدهم , تفتقت موهبتهم الإبداعية ضمن شروط خاصة ساهمت في إحيائها ظاهرة المجموعات بالأساس , وكذا الأنشطة المكثفة التي كان يسهر على تنظيمها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لا سيما بالمدرسة المحمدية للمهندسين , هذه المؤسسة التي لعبت دورا طلائعيا في شيوع مجموعة إبداعات متنوعة , وكذا في فسح المجال لعدد كبير من المبدعين المغمورين الذين لولاها لما عرفوا كشعراء أو زجالين إطلاقا بحكم هيمنة بعض حراس الثقافة على المنابر الإعلامية بمختلف أنواعها. هذا على مستوى العوامل المساهمة في إبراز قصيدة الزجل , وانتشالها من براثن النسيان , والتهميش , والإهمال الذي طالها منذ سنين, أما فيما يخص مرجعيتها الأساس فبالإمكان ملامسة المؤثرات المساهمة في بلورة قصيدة الزجل الحديثة استنادا إلى مجموعة عوامل دالة أصبح الجميع يقر بها خصوصا من يمتلكون ناصية الكتابة الزجلية عن وعي مسبق بكل المراحل التي عبرتها.
* العامل الأول الممكن الاستدلال به فن العيطة , هذا الفن المهمش الذي لم يحظ هو الآخر بما يستحق من الدراسة , وإمعان النظر في بنيته وإيقاعاته , ومضامينه إلا مؤخرا وإن بشكل محتشم تعكسه الدراسات المنجزة حوله , والمعدودة على رؤوس الأصابع . ويمكن الرجوع إلى مجموعة من نصوص العيطة للتأكد من هذا المعطى الملموس ومدى مساهمته بشكل فعال في تطوير قصيدة الزجل وتعميق رؤيتها, ومنحها أفقا جديدا سيعطيها نفسا لمواصلة مسارها بخطى ثابتة : [القاموس الشعري / اللهجة المحلية , الصور الشعرية…]
*العامل الثاني فن الملحون , بحيث أن النص الزجلي الحديث لم يتجاوز البناء الهيكلي لهذا اللون الفني الشعبي , بل ظل وفيا له وفق التصور الذي رسمه بعض منظريه [ أحمد سهوم على سبيل المثال لا الحصر ] , هذا البناء الذي صاغه في قالب شعري بديع الزجال المتميز ” عزيز بنسعد ” في إحدى قصائده التي يتضمنها ديوانه ” مدهي بسكاتي ” والتي تحمل عنوان ” حوش الميزيرية ” إذ يقول فيها :
- 1 -
يا مزلكَ لحروف في خويط الروح
يا مخاوي لكلام فعايل وسميات
اشكي وبوح .. ابكي ونوح ..
ما حد باب لمعاني مفتوح…
- 2-
دندن يا غاني بفنون لشعار
هي ثلث صنايع ف السجية
كان حتى كان
” مكسور جناح ” يجمد الما
بكلمة في سطر لمعاني
و ” مبيت هاد لفقيه ” السوسي “
ف بيت ما بين غطا وفراش …
لم يقف الأستاذ ” أحمد سهوم ” عند المعطى إياه فحسب , بل تجاوزه إلى حد اعتبار”مكسورجناح ” في شعر الملحون منهجا حداثيا متقدما على الشعر الفصيح بزمن مديد, لكن لم يعره النقاد أدنى اهتمام, ولم يتمكنوا من رصد التطور النوعي الذي بلغته قصيدة الزجل على المستوى العروضي الخارج عن المألوف, كما لم يبالوا بظاهرة التسكين الخاصة بالدارجة مما حال بينهم وبين التقعيد الموضوعي للزجل عموما , مع استثناء محاولة الأستاذ ” محمد الفاسي ” التي لم تعمم لاعتبارات أساس أهمها: فقدان الرصانة , والتماسك المنهجي والانضباط الذي يخول لها[ أي المحاولة] إمكانية التطبيق على النصوص الزجلية, إضافة إلى كونه هو الآخر لم يتناول بالدراسة قضية التسكين التي لا زالت تطرح مجموعة تساؤلات حول عدم الاشتغال عليها نظرا للصعوبات التي تطرحها, أو لعدم إمكانية استيعاب خصوصيتها, هذه الخصوصية التي حاول المبدع ” عزيزبنسعد ” بلورتها في نصه الدال”سكويلة المخزن ” حيث يقول :
لحروف حاركة وأنا في لخزاين
لحروف : مبتدأ
حاركة : خبر
وأنا: الواو ما عاطف عليا الواو حال من حوالي
في : حرف جر يجر اخزاين في الفصحى
وعلاش في الدارجة ساكنة لخزاين؟
لخزاين : ياك ما تكون خزاينا مبنية, مبنية غير على قبل ضيافة الناس.
سؤال إشكالي لا زال يطرح نفسه بإلحاح على كل المهتمين بقصيدة الزجل علهم يتمكنون من مقاربة هذه الظاهرة التي تختص بها الدارجة دون غيرها.
لذا اعتبرت محاولة ” محمد الفاسي” مجرد اجتهاد , يشكر عليه , نظرا للمجهود المبذول من طرفه رغم انه لم يعر الظاهرة إياها أي اهتمام. وللأسف الشديد لم يتجرأ أي ناقد من مواصلة البحث حتى يتأتى للأجيال اللاحقة الاطلاع على المراحل التي سلكتها قصيدة الزجل, وبالتالي امتلاك قواعد الكتابة الزجلية بدل السقوط في الذيلية إلى حد أن مجموعة من دعاة الزجل يجهلـون, بشكل إطلاقي, تقنية الكتابة ولو في أشكالها الأولى. إذن آن الأوان لوضع حد لمثل هذا التسبيب الذي ساهمت فيه بشكل كبير مجموعة من المنابر الصحفية التي يجهل المشرفون على صفحاتها الثقافيـة أبجدية الكتابة الزجلية إن لم نقل الشعر الفصيح كذلك , واسألوا أهل البيت يأتوكم بالخبر اليقين عن هذه الكارثة التي بلغتها الكتابة الإبداعية ببلدنا للأسف الشديد .
*العامل الثالث الشعر الحديث: لا أحد ينكر بأن الشعر الحديث لعب دورا أساس في بلورة القصيدة الزجلية على مجموعة من الأصعدة نظرا للتطور الذي عرفه غب مخاض عسير, وصراع مرير بين دعاة التقليد والمجددين حتى حسم الأمر بينهما بعد جدال طويل أسفر عن انتصار قصيدة التفعيلة ذات البعد الحداثي, إضافة إلى شيوع قصيدة النثر التي عانت, هي الأخرى, الأمرين قبل أن تصبح أمرا واقعا وجب التعامل معه كشكل من أشكال التعبير الشعرية في ظل التطور الذي عرفه الشعر الحديث بحكم احتكاكه بمجموعة تجارب شعرية غربية منها بالأساس. هذا المد الطافح كان له انعكاس إيجابي على الزجل وساهم بشكل فعال في النهوض به, ومده بدفقة شعورية أكسبته نفسا جديدا وقدرة فائقة على التميز لدى بعض الزجالين الممارسين, عن وعي, لهذا اللون الفني الشعبي العميق الدلالة, إن على مستوى الصورة الشعرية, أو الدلالة, أو التناص, أو توظيف الأسطورة أو الخطوط, أو الصور التشكيلية المرفقة لبعض الدواوين … إذن ثمة مؤثرات عديدة فعلت فعلها في صياغة قصيدة الزجل بنية, وإيقاعا, و محتوى و ميزانا رغم الاختلاف الحاصل في هذا الباب, والذي لم يتم حسمه بالرغم من الاجتهادات المقدمة في هذا الإطار.
بعد الجرد المقتضب هذا حول تحديد العوامل المساهمة في بلورة قصيدة الزجل الحديثة, وبعد استعراض بعض وجهات النظر في تبرير الموقف هذا أو ذاك من انتسابها إلى هذا المصدر, أو غيره, بجدر بنا الحديث عن الموضوع الأساس الذي تتمحور حوله المداخلة هاته . وبتركيز شديد يمكن القول بأن علاقة قصيدة الزجل بظاهرة المجموعات تبدو مهلهلة, مشوبة بنوع من الفتور إلى حد القطيعة. أكيد أن ثمة مبادرات فردية معدودة على رؤوس الأصابع لا يمكن الاعتداد بها لتفنيد الحكم هذا نظرا لمجموعة عوامل من السهولة بمكان تحديدها قصد الاقتناع, منها على سبيل المثال لا الحصر:
-1افتقار معظم أعضاء المجموعات إلى تكوين ثقافي يخول لهم إمكانية التعامل مع نصوص زجلية حديثة, والقدرة على التفاعل معها بشكل فني متميز.
2- غياب إمكانية البحث في التراث الشعبي المغربي الزاخر بعطاءاته الثرة, إن على مستوى النصوص الشعبية المغمورة, أو على مستوى الإيقاعات الموسيقية المتنوعة التي تزخر بها بلادنا, خصوصا بعد رحيل الرواد, مما يوحي بأن ظاهرة المجموعات قامت على أكتاف أفراد بعينهم, وليس على عاتق عناصرها جميعهم, كما هو الاعتقاد السائد بين مجموعة من المواكبين للظاهرة منذ انطلاقتها .
هكذا نصل إلى استنتاج يخول لنا وضع الظاهرة في إطارها العام, فنجمل القول, بأن المستوى المتميز الذي بلغته قصيدة الزجل لم يتماش وطبيعة التطور المفروض أن تعرفه ظاهرة المجموعات في مسارها العام. يمكن ملامسة هذه المفارقة من خلال النصوص المشتغل عليها, مع بعض الاستثناءات النادرة التي تحاول الخروج من شرنقتها والانفتاح على بعض الزجالين باللجوء إلى انتقاء نصوص منحتها دفقة شعورية, وجمالية ساهمت بشكل كبير في ذيوعها, وانتشارها, ورواجها بين المتلقين بالسماع, نذكر منها مثلا مجموعة ” لرفاكَ ” المأسوف عليها من خلال شريطها ” علام الليف ” بالخصوص المرتكز في جل أغانيه على نصوص الزجال المتميز” عزيز بنسعد”. وخارج إطار ظاهرة المجموعات, نسجل بافتخار المستوى البارع الذي تعامل به ” عبد المجيد مثنى ” مع مجموعة نصوص زجلية حديثة نادرا ما نجد مثيلا له بين معظم الملحنين الذين تعج بهم الساحة الفنية نظرا للاعتبارات المشار إلى بعضها أعلاه .
وأخيرا , وليس آخرا , يمكن الاستنتاج , على ضوء المعطيات أعلاه , أن مرحلة العد العكسي بلغت منتهاها منذ انفراط العقد بين ظاهرة المجموعات والقصيدة الزجلية في غياب أية علاقة جدلية تحكم الطرفين نظرا لطبيعة اللحمة الجامعة بينهما أو المفروض أن تجمع بينهما لاعتبارات عدة . وفي السياق ذاته لا يمكن السكوت عن أفق القصيدة الزجلية في ظل التسيب الذي عرفته مؤخرا , حيث بدأ التطاول على هذا اللون الفني الجميل بشغبه , والغني بصوره , والطافح بزخمه المتعدد الأبعاد . ولعل بعضا من الملاحظات المسجلة على ظاهرة المجموعات يمكن إسقاطها على بعض الزجالين لا سيما الذين يجهلون بالأساس حركة التطور التي يعرفها الشعر الحديث , وكذا المستوى الذي بلغته الحركة النقدية في مواكبة التطور إياه لأنه لا يمكن الفصل نهائيا بين الزجل والشعر الفصيح على المستوى النقدي بالرغم من الخصوصيات التي تطبع كل لون على حدى .
نخلص في نهاية المطاف إلى أن ثمة مفارقة كبيرة بين قصيدة الزجل, وظاهرة المجموعات, ولن يتم التصالح بين الطرفين سوى بردم الهوة السحيقة الفاصلة بينهما, وإلا فعلى الدنيا السلام … وآنذاك فليدق آخر مسمار في نعش الأغنية الجادة لا سيما ظاهرة الأجيال باعتبارها رافعة مشعلها في أرض المغرب الزاخر بالعطاء .
- مصطفى لمباشري