رحم للإيجار

سلمت على الجالس خلف
الشاشة منغمسا في دردشة. رد دون أن يكترث وكأنه يعرف مسبقا عما ستسأله
:"جهازك في الركن فارغ والكاميرا جديدة" تهللت أساريرها ودلفت بسرعة
وثدياها منتصبان كأنها في تحية للعلم.جلست بسرعة للجهاز .. فتحت البريد الإلكتروني
فتهاطلت عليها دعوات فتح محادثة مصورة لم ترد على أي منها وانتظرت حتى اخضر القرص
أمام وجه تلك المنقبة التي أرسلت الدعوة فأجابتها فورا : "كيفك حبيبتي ؟ شو
أخبار بطنك ؟ ردت بلكنة مغربية : " بخير الحمد لله . أين الدوسري لم أتوصل
بفلس منه ؟ " قهقهت المحجبة وقالت : "هو لعب عيال ؟ الدوسري في طريقه
إليك ومعه الفلوس والبذرة . اعتني بها ، ومن جهتي سأوفر لك كل ما تحتاجينه، بس
بالله عليك إذا عزت أي شيء أو اشتهيت أي شيء بالله عليك في بطنك لا تحكينه
.." ضحكن معا فقالت المغربية :" كوني متأكدة.. اطمئني " ما هي إلا
نصف ساعة من الحديث بلغة تجمع بين المغربية والسعودية واللبنانية والمصرية بخليط
من القهقهات حتى رن الهاتف قالت المحجبة :"هو إنه هو وصل استعدي حبيبتي
" أجابت : "ألو " فقال : " أنا في العيادة إلحكيني "
أغلقت المحادثة دون وداع ، أطفأت الجهاز وركضت صوب الباب وهي ترمي الفتى المسير
لمقهى النت بقطعة نقدية وقفزت من على الطوار أمام سيارة أجرة سلمته ورقة صغيرة
وقالت له بسرعة. باب العيادة موصد. رن الجرس وفتح الباب فكان الدوسري هو المستقبل
الأول : " يا هلا يا هلا بأعز الغلا أم الحلا يا هلا شلونك ؟ جاهزة؟"
رمى بيده وراء ظهرها ورافقها كأنه يدفعها للتقدم خوفا من ترددها في دخول الغرفة.
فتح الباب وجدت صاحب الوزرة البيضاء ذو الرأس المبيض منهمكا في ترتيب الأدوات نظر
إليها بسرعة وقال :" مرحبا بالغزال.. بوجه الخير.. زيدي لالة.. تفضلي "
أمرها أن تذهب وراء الستار الأبيض المتحرك المكون من ثلاث مطويات مستطيلة حديدية
يتوسط كل منها قماش سميك أبيض اللون. وشوش في أذن الدوسري فتنحنح وبعد لحظة أغلق
الباب سأل الطبيب : " مستعدة سهام " أجابت : " أممم " دلف خلف
الستار وهو يرتدي قفازاته البلاستيكية فإذا بسهام ممدة على السرير وسروالها الجينز
معلق على جانبه الأيسر نظر إليه فتأكدت له جاهزيتها قال :" لن نتأخر.. عشر
دقائق وتذهبين " أومأت أنها تفهم الأمر. مر الوقت سريعا ووجدت الشيخ يلفها
بالعديد من الأكياس التي تحمل علامات وأسماء ماركات عالمية طالما تابعت أخبار
جديدها على النت، وفوق كل ذلك علبة بيضاء عليها رمز تفاحة مقضومة الجانب ..
التفاحة التي ستخرجها من الفقر من البؤس من ... ابتسمت له وقالت : " شكرا "
فرد: " لا اعذريني كنت منزعجا بالبيضة وأجواء نقلها إليك لم أهتم بالأشياء
الأخرى ،في المرة القادمة أعوضك " في تلك اللحظة كان الطبيب قد غادر العيادة
ولم يتبق إلا الدوسري وسهام والممرضة التي انتهت من غسل يديها وهمت بحمل حقيبة
يدها ففهم الاثنان أن عليهما الانصراف. نزل الثلاثة على متن نفس المصعد. خرج الشيخ
بلباسه الخليجي وتبعته السيدتان، ما أن اجتازوا الباب حتى تفرقت بهم السبل كل منهم
مضى إلى اتجاه. صعدت سهام سيارة الأجرة وهي محملة بتلك الأكياس فتحت الظرف الذي
تسلمته في العيادة وتمعنته كأنها تتأكد من قيمته المالية ثم أعادته داخل جيبها
بعدما استلت من بين أوراقه واحدة من فئة مئة درهم سلمتها للسائق ونزلت. قبل أن
تصعد للبيت مرت لمتجر الاتصالات بالقرب من
المنزل اقتنت مودما مسبق الدفع. وفي السلم قالت :" الله ..عفى الله من
السيبيركافي الآن ." دخلت غرفتها وأعملت الأيباد وارتبطت بالشبكة وأرسلت
رسالة بريدية على عنوان المحجبة :" ابنك في مأمن يا شيخة شكرا لك على الثقة."
ونامت... في الصباح استيقظت باكرا وجربت كل
تلك الأزياء أمام المرآة. ارتدت ملابسها وقصدت الكلية. لم يكف هاتفها عن
الرنين طوال الحصة.. غادرت المحاضرة قبل أن تنتهي وأجابت. إنها الشيخة تسأل عن
جنينها. حددت معها موعدا سيتكرربانتظام كل يوم . وأصبحت تحدثها كل يوم والهدايا
تصل تباعا إلى أن وصل حملها شهره الثالث. فبدأت بالتردد عل العطار ولد الحطاب كل
يوم لمدة أسبوع وقد بدأ وجهها بالشحوب يوما عن يوم إلى أن وصل يوم الأحد وقد اشتدت
الآلام بها كأن ببطنها حفنة من شفرات الحلاقة تمزق أمعاءها. اشتد الألم.. كأن
هناك شيئا يريد الخروج منها .. جرت صوب
المرحاض ..نزعت السروال فإذا الدماء الداكنة قد نزلت إلى ركبتيها .. أنت وضحكت
مهمهمة بتلعثم : " درتيها يا ولد الحطاب ..العفو " بعد فترة ليست بالقصيرة عادت لفراشها ونامت إلى
أن أيقظها رنين الهاتف. إنها الشيخة وقد حان الموعد اليومي لتسأل عن أمانتها عندها
.. تبسمت سهام كمن تذكر شيئا قد نسيه فأغلقت الهاتف وأخرجت منه شريحة الاتصال
وهشمتها... فتحت بوابة الإعلانات وكتبت : " رحم للإيجار"

أحمد عبد
الغني