تدريس اللغة الأمازيغية لغير الناطقين بها : أية مقاربة
تقتضي الممارسة التعليمية _ التعلمية الناجحة اختيارا ناجعا للمقاربة البيداغوجيا المناسبة للمادة و كذلك للكفاية النوعية المراد تحقيقها في نهاية التعلم،كما يقتضي هذا الاختيار استحضار الملمح و المهارات و القدرات التي نروم توفرها في مخرجات كل مرحلة معينة و ادراج أنشطة ملائمة لذلك ، و لا شك أن تقديم درس في اللغة يختلف منهجيا و ديداكتيكيا مع تقديم درس في الرياضيات مثلا نظرا للتباين الموجود بين المادتين في مستوى البنية المفاهيمية و طبيعة المادة المعرفية و امتداداتها في الواقع ، غير أن هذا التمييز لا يلفه غموض كبير بالمقارنة مع الصعوبات التي يثيرها التمييز بين المقاربات الملائمة للغة الأم واللغة الاجنبية ، أو بين اللغة الكتابية و اللغة الحديثة العهد بالكتابة كالأمازيغية مثلا.
فالممارس التربوي في الوسط الغير الناطق باللغة الأمازيغية ، مطالب باستحضار المعطى السوسيوثقافي للغة الأمازيغية في نقط اختلافه و نقط التقائه مع البيئة المحلية ، و المعطى السوسيولساني باعتبارها لغة شفوية حية متداولة حديثة العهد بالتدوين ، حيث أن اللغة حمالة للأنساق الثقافية و النظم القيمية و العادات و التقاليد و مرآة للحضارة مما يحتم وضع المتعلم في محيط لغوي تعليمي يماثل قدر الامكان المحيط اللغوي الطبيعي للغة المتعلمة بالاعتماد على وضعيات ديداكتيكية واقعية تتغيا إعداد جيل قادر ليس فقط على التواصل مع الاخر بل الفعل مع الاخر في اللغة الاجنبية ، ومن هذا المنطلق فاللغة لا تنحصر وظيفتها في التواصل فقط ، و إنما هي وسيلة للفعل الاجتماعي كما جاء في التقرير للإطار المرجعي الاوروبي الموحد سنة 2001 .
و تحتل الكفاية التواصلية موقع الصدارة بمقارنتها مع الكفايات الأخرى التي تسعى المدرسة جاهدة اكسابها للناشئة من خلال سيرورة الأنشطة اللغوية المدرجة في أفق تكوين مواطن منفتح على الأخر قادر على التواصل و الاندماج في بيئة غير بيئته بسلاسة و يسر ، و بالتالي فالتواصل يعد قطب الرحى و جوهر عملية تعليم اللغة الأمازيغية في نظر المقاربة التواصلية ذات النزعة الوظيفية التواصلية على حساب الوظيفية النحوية ، لكن هذا لا ينفي حضور أهداف معرفية في المنهاج الخاص بالأمازيغية مرتبطة بالأنشطة اللغوية الاخرى كالنحو و الصرف و المعجم ، غير أنها وسيلة و ليست غاية في حد ذاتها ، إنها في خدمة التواصل.
و من جهة أخرى يمنح التواصل بأصنافه المختلفة ( العمودي ، التفاعلي .......) المعنى للأنشطة اللغوية الأخرى و يبرز أهميتها و دورها في اللغة و يجعلها قابلة للتحويل و الإستعمال في سياقات مختلفة ، و لا يتأتى هذا إلا في إطار التواصل القصدي المحفز و المستفز لذات المتعلم و الباعث على إثارة الملكات و القدرات الذهنية كالمقارنة و التصنيف ........
يتعلق الامر من خلال ما سبق ، بالأنشطة التعليمية داخل الفصل و كيف تتم أجرأة المقاربة التواصلية و تفعيل مضامينها ، في المقابل هناك جانب ذو أهمية بمكان يتجلى في مقاربة الأستاذ للغة الأمازيغية و مدى استيعابه لوضعيتها السوسيولسانية ، فهي لغة يغلب عليها الطابع الشفوي ، حية متداولة على نطاق جغرافي واسع مما يولد تساؤلا مشروعا عن ماهية الأمازيغية التي سندرس بها ، هل هي أمازيغية الوسط أم أمازيغية الجنوب أم أمازيغية الشمال ، لهذا يتحتم على الأستاذ النظر إلى هذا الاختلاف على أنه غنى يجب استثماره أثناء التواصل داخل الفصل و الانطلاق من اللغة المحلية للوصول إلى اللغة المعيار و هذا الإشكال يتعلق بالأساتذة العاملين في المناطق الناطقة بالامازيغية ، غير أن هذا الإنتقال من اللهجة المحلية إلى اللغة المعيار لا تشوبه عوائق كبيرة بالنظر إلى كون هذه اللهجات تنحدر من لغة أم واحدة و هو ما يفسر بوضوح التشابه الكبير الحاصل بين اللهجات على مستوى البنيات الصوتية و البنيات المورفولوجية و البنيات النحوية.
في حين تبدو المهمة بالنسبة للممارسين في المناطق الغير الناطقة مختلفة ، إذ تبدو اللغة المعيار ضرورة حتمية في غياب أي مصوغات تشفع للأستاذ بالتدريس بلهجة معينة ، و يجب عليه اجتناب الانحياز أو التقوقع داخل فرع دون الاخرين ، و يضاف الى ذلك انعدام ازدواجية اللغة ( لغة المعيار و اللهجة المتداولة داخل الأسرة ) كما هو الحال في المناطق الناطقة .
و تجدر الإشارة أن التقارير الوزارية و التجارب الميدانية داخل الفصول الدراسية أثبتت بالملموس تجاوبا كبير للمتعلمين في تعلم الأمازيغية سواء كانوا ناطقين أو غير الناطقين ، مما يشكل أجوبة عملية و شافية لكل من سولت له نفسه التشكيك ألا علمي و السطحي في نجاح ورش إدماج الأمازيغية داخل الحقل التربوي .
ادريس رابح _ ممارس تربوي _سيدي بنور
Auteur : ادريس رابح