"بناء المصطلح (الغريب والعجيب والخارق والفانطستيك) بين قيود المعجم وقلق الاستعمال" للدكتور عبد الحي العباس

"بناء المصطلح
(الغريب والعجيب والخارق والفانطستيك)
بين قيود المعجم وقلق الاستعمال"
للدكتور عبد الحي العباس
عرض وتحليل
أماقبل:
 يقول التهانوي:" إن أكثر مايحتاج به في تحصيل العلوم المدونة والفنون المروجة إلى الأساتذة هو اشتباه الاصطلاح، فإن لكل علم اصطلاحا خاصا به، إذا لم يعلم بذلك لا يتيسر للشارع فيه الاهتداء إليه سبيلا وإلى أنغامه دليلا"
 لا يجادل اثنان في أهمية المصطلح، إذ يؤدي الاتفاق فيه دورا هاما في البناء المعرفي داخل كل الحقول المعرفية والفكرية، ولا يخفى ما يمكن أن تؤدي الضبابية فيه من قلق في الاستعمال وعماء في الاشتغال.
 يلاحظ المتتبع للمجال المعرفي أن إشكال المصطلح يعود إلى سببين اثنين: إما أنه ناتج عن ا الترجمة وما ينتج عنها من إشكالات النقل والبحث عن مقابل في اللغة الأخرى. أو عن اختلاف المدلولات التي تشحن بها الوحدة المعجمية بين الباحثين. مما يدفع كل باحث إلى اختيار مصطلح خاص به.
 نعمد في هذه المقالة إلى الاشتغال على موضوع العجائبي من خلال عرض وتقديم مؤلف اهتم ببناء المصطلح في هذا المجال موسوم ب:" بناء المصطلح (الغريب والعجيب والخارق والفانطستيك) بين قيود المعجم وقلق الاستعمال".
 صاحب المؤلَّف هو الباحث: الدكتور عبد الحي العباس، وهو أستاذ التعليم العالي بكلية اللغة العربية بمراكش، متخصص في علوم اللغة العربية والسيميائيات، وهو مهتم بالمجال العجائبي وهو ما دفعه إلى تأسيس وحدة تبحث في العجائبي في التراث العربي. والكتاب صادر عن المطبعة والوراقة الوطنية – مراكش، سنة 2007.
 عمل الباحث على اختيار موفق لأيقونة الكتاب، وذلك من خلال صورة مركبة تساعد على تهييج القارئ ودفعه نحوه الحيرة وإثارة الأسئلة عن نوع ذلك الشيء/المخلوق الذي جاء في صورة قلب.
 نلاحظ في العنوان أن الباحث يشير إلى مستويين اثنين:
الأول: الهدف من الدراسة وهو بناء المصطلح في المجال العجائبي
الثاني: الإشارة إلى الإشكال الذي يعرفه المجال العجائبي وهو قيود المعجم وسلطة المعاني القاموسية. ثم القلق في الاستعمال والفوضى الذي تعرفه هذه المصطلحات داخل الحقل المعرفي العربي.
وفيما يلي عرض وتحليل لمحتويات الكتاب:
1- تقديم:
خصص الباحث تقديم الكتاب لرصد الخصائص التي يتأسس عليها المصطلح وهي عنده:
- الإتفاق: أي أن المصطلح وحدة لغوية اتفق عليها عدد من العلماء والمفكرين.
- الإجماع: أي أن الاتفاق هو إجماع حاصل بين العلماء على اختيار هذه الصيغة دون أخرى.
يتم إنتاج المصطلح انطلاقا من إجراء صناعي يتجلى في شحن لفظة بمدلول واضح ودقيق. فتنتقل اللفظة من المستوى المعجمي إلى المستوى الاصطلاحي.
يظهر إذن أن المصطلح يتصف بصفات تشمل المعنى وهي الدقة والوضوح، ثم البساطة وهي من صفات اللفظ.
ينطلق البحث للإجابة عن أسئلة الفوضى التي يعرفها المجال الاصطلاحي، من فرضية تتجلى في كون البحث العلمي العربي لم يؤسس لنفسه بعد، تصورا دقيقا ورؤية علمية فيما يتعلق بموضوع الخوارق والعجائب.
يستدل الباحث عن الفوضى التي يعرفها هذا المجال في البحث العلمي العربي في استقرائه لمجموعة من الأبحاث العربية التي أنجزت حول هذا الموضوع ومنها:
• استعمال مصطفى الشادلي في مقاله" إشكالية تلقي العجائبي:" مصطلح العجائبي مقابلا للمصطلح الفرنسي le merveilleux والغرائبي مقابلا لمصطلح le fantastique.
• تبنى حمادي الزنكري في مقاله" العجيب والغريب في التراث المعجمي" مصطلح العجائبي ليطلقه على أصناف النصوص الأدبية المتميزة بظواهرها العجيبة والغريبة.
• خالف عبد الجليل مرتاض ما ذهب إليه حمادي الزنكري ليطلق على ذلك الصنف من الكتابة مصطلح الفانطستيك.
• استعملت نعيمة بنعبد العالي المصطلحين العربيين في مقالها" واقع عجيب غريب" الغريب والعجيب وكأن أحدهما مرادفا لآخر.
• قابل الصديق بوعلام في كتابه المترجم عن اللغة الفرنسية" مدخل إلى العجائبي" لتزفيطان تودوروف، مصطلح العجائبي بمصطلح le fantastique.
• قابل واسيني الأعرج مصطلح le merveilleux بالسحري في مقاله عن رواية"أحلام بقرة"
هذه التمثيلات، هي من باب التمثيل لا الحصر وهي تبين مجموعة من الأشياء:
• الفوضى المصطلحية والاضطراب اللذان يعرفهما البحث العلمي العربي.
• رغبة الباحثين في الاستفادة مما توصلت إليه الدراسات الغربية في معالجة الموضوع نفسه، مما دفعهم لمقابلة بعض المصطلحات الغربية بمصطلحات عربية. غير أن هذه المسألة يحترز منها الباحث ويرى تجنب العمل بها يقول" ولهذا، لما كان موضوع العجيب والغريب من الموضوعات التي تعرفها الثقافات الغربية وغيرها فإن تصور الإنسان العربي للموضوع ذاته ليس بالضرورة هو التصور عينه عند الإنسان الغربي، والعكس صحيح" .
يقوم الباحث في تحديد موضوع الخوارق على الانتقال من مثال أو قل افتراض يتمثل في مشاهدة شخص لآخر يمشي على الماء. فردة فعل الشخص ستكون اندهاشا وتعجبا وسيصدر عنه سلوك لغوي يعبر عنه ب: إن هذا لأمر غريب حقا أو سبحان الله أو إن هذا شيء عجيب... أو لا حول ولا قوة إلا بالله وسلوك غير لغوي تعبر عنه قسمات وجهه وحالات الجسم....
يفترض العجيب والغريب إذن، وجود ركنين اثنين هما:
المثير: وهي الشيء الخارق لقوانين الطبيعة
الاستجابة: وهو السلوك الذي يصدر عن المتلقي
اعتمد الباحث في التحديد المعجمي والاصطلاحي لهذه المصطلحات على معجم "لسان العرب" باعتباره يمثل المستوى المعجمي لتلك المصطلحات. وكتاب "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات" لزكريا القزويني. باعتباره يمثل المستوى الاصطلاحي. لكل من العجيب والغريب.
2- في العجيب
المستوى المعجمي
يتوقف الباحث من خلال التحديد المعجمي لكلمة العجيب في معجم لسان العرب على مجموعة من الخصيصات لهذه اللفطة وهي القائمة على:
- الإنكار: بوصفه استجابة المتلقي وسلوكه
- المعتاد ويتضمن بالضرورة مقابله وهو غير المعتاد
- المتلقي باعتباره عنصرا مركزيا يفهم من ضمير الخطاب: الكاف في (عليك).
ذلك أن الإنكار في نظر الباحث هو أمّ العجب، والذي لا يخرج عن ثلاثة أشكال: السؤال أو الرفض أو الخضوع. أما المعتاد فهو مقياس العجب مقيدا بمسألة التأثير في المتلقي الذي يعتبر أساس العجب.
ينطوي العجيب في مفهومه المعجمي على مبدأ اللذة، إذ يتأسس مفهوم العجيب على معنى مغاير هو الاستحسان والمسرة الممزوجة باللذة والمتعة حسية كانت أم معنوية. إلا أنه لابد من الإشارة إلى أن الخوارق لا تثير الاستحسان دائما في نفسية المتلقي فهناك بعض الظواهر التي تثير الرعب والخوف في المتلقي.
يستنتج الباحث بعد وقوفه عند المعنى المعجمي لموضوع العجيب أنه مركب من مجموعة من القضايا المتداخلة، التي تشكل شبكة من الدلالات والمعاني، ولعل هذا التشعب والتشابك في المعاني هو الذي يعرقل صياغة المصطلح في صورة يقبلها البحث العلمي.
المستوى الاصطلاحي:
اعتمد الباحث على كتاب "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات" لزكريا القزويني. ففي رأي الباحث أن هذا الكتاب يمثل مجالا علميا واسعا لتداول العجيب والغريب وللبحث في أصولهما الاصطلاحية.
يقول القزويني:" العجب: الحيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيء أو عن معرفة كيفية تأثيره فيه" يظهر من التعريف أن المكون المركزي في فهمه هو الحيرة، وهي لحظة معينة يعيشها المتلقي لخارق ما. وذلك بسبب عجزه عن معرفة عوامل الخرق وعلله. والتي لا تزول إلا بالعلم والمعرفة أي أن العجب يسقط عندما يكتسب المتلقي فهم الظاهرة ومعرفة أسبابها. العجيب عند القزويني إذن:
- موضوع علمي مبني بناء نظريا متينا
- مركب من مجموعة من المفاهيم... يكون العقل حاضرا فيها باعتباره متلقيا مستفسرا وباحثا مستجيبا
- قائم على مبدأ توالد السؤال العلمي.
ومن هنا فكل فهم يتجاوز مدلول العجيب باعتباره عنصرا مركبا من مختلف الدلالات الفرعية، غير علمي ولا مسوغ له.
3- في الغريب
المستوى المعجمي
لا يختلف مدلول الغريب عن مدلول العجيب، من حيث الغنى الكبير بالمعاني الفرعية، إلا حد التداخل بين الوحدتين المعجميتين.
يقوم الغريب في مدلوله المعجمي على مبدأ الغربة إذ الغريب في لسان العرب" البعيد عن وطنه". وهكذا فإن المتلقي/الغريب يمكن أن يتحول من مستهلك إلى مصْدر للغربة. فالغريب ينظر إلى سلوكات المجتمع الذي يحل فيه على أنها أمور خارقة وخارجة عن معاييره الثقافية وقيمه الاجتماعية ،كما يمكن أن يكون المتلقي مصدر الغرابة فينظر المجتمع إلى سلوكاته على أنها غريبة مثل: تصرفات الحمقى والمجانين.
نستنتج من القراءة المعجمية للفظة الغريب بعد تحليل مكوناتها وعناصرها ما يأتي:
• الغريب صفة تطلق على الكائن العاقل، وكل استعمال تجاوز ذلك هو ضرب من التوسع اللغوي.
• مبدأ الخرق وما يترتب عنه حاضر بقوة في مدلول الغريب.
• قيام مدلول الغريب على مبدأ القيم وحضور التصادم الاجتماعي.
المستوى الاصطلاحي
يعرف القزويني الغريب بكونه:" كل أمر عجيب قليل الوقوع مخالف للعادت المعهودة والشاهدات المألوفة"، فالقزويني إذن يقيد مصطلح الغريب بالمألوف والمعهود، وما يفهم من المألوف والمعهود هو مختلف المعايير الثقافية والقيم الاجتماعية المتداولة والمثل العليا. والمثير في تعريف القزويني اعتباره الغريب كل أمر عجيب، فالغريب يشترك مع العجيب في وظيفة مركزية هي إثارة المتلقي لإصدار استجابة معينة.
عمد الباحث بعد اشتغاله على مصطلحي الغريب والعجيب إلى صياغة تركيب قارن فيه بين الوحدتين المعجميتين من الناحية الاصطلاحية، وخصصه لأهم الخلاصات المتوصل إليها والمتجلية في كون التراث العربي كان يميز بين العجيب والغريب إن على المستوى اللغوي أو الاصطلاحي، ولعل الاستعمال المزدوج لهما في الخطاب العلمي المعاصر يعود إلى اشتراكهما في صفة الخرق. إلا أن هذا لا يسوغ استبدال لفظة مكان أخرى فالمسألة مرتبطة بالبحث المصطلحي وليس بالمعجم. ومن ثمة لا بد من البحث في معنى الخارق وهو ما فعله الباحث.
4- في الخارق:
المستوى المعجمي
صنف الباحث معنى الخارق حسب صيغه الصرفية، إلى ثلاثة وهي: فعَل و فعُل و فعِل.
ترد الصيغة الأولى بمعنى الشق والثانية بمعنى الحمق والثالثة بمعنى الدهشة والحيرة.
استطاع الباحث من خلال استخراج واستقراء هذه الصيغ من رصد أركان موضوع الخارق وهي الموضوع والذات والاستجابة.
يتطلب المعنى المعجمي للفظة الخارق المتلقي بالضرورة. لأنه هو الذي يحكم على الموضوع والذات بتعرضهما للخرق. ذلك أن الخرق لا يصير كذلك إلا بشق المعايير الاجتماعية والثقافية للمتلقي.
ومن هنا فإن لفظة الخارق قابلة -في نظر الباحث- أن تصبح مصطلحا ذات معنى نواتي، وما تحتاجه هو تعميق البحث وتدعيمه بجملة من المعاني المخصِّصة. ومن هنا فاستبدال مصطلحَي العجيب والغريب بالخارق مناسبة، وليس على أساس استبعاد مصطلحي الغريب والعجيب. فالنظر إلى الخارق بوصفه مصطلحا علميا ممكنة. خاصة وأنه حاضر في الثقافة العربية الإسلامية. وقد أثبت الباحث ذلك من خلال مقاربته لأحد النصوص التي استعمل فيها ابن خلدون المصطلح. يقول الباحث:" لا ندعي بهذا الإجراء البسيط أننا أنشأنا مصطلحا وولدناه، ولكننا حاولنا بعد أن أخرجناه إخراجا آخر فيما يظهر، أن نثير انتباه الباحثين والدارسين، موجهين اهتمامهم في البحث العلمي إلى التفكير في توظيف مصطلح الخارق واستعماله، ليس بقصد تبنيه والأخذ به فقط، بل لترسيخه وتعميق البحث فيه لتجاوزه- إن أمكن- حسب الشروط العلمية وأدبيات البحث الأكاديمي"
5- في الفانطستيك
ينطلق الباحث في مقاربة هذا المصطلح من مسلمتين هما: جهلنا التام بهذا المصطلح، وعدم وجوده في الفكر العربي الكلاسيكي. ومن ثمة يطرح السؤال: أيوجد الفانطستيك في الفكر العربي؟
ذكر الباحث أن جل الدراسات والأبحاث تتفق في كون الفانطستيك جنس أدبي ظهر في القرن التاسع عشر، بفضل تطور العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية خاصة علم النفس وعلم الفيزياء والكيمياء. وبعد تكون ركام من الروايات والقصص الإبداعية والإنتاجات الأدبية. ذلك أن الفانطستيك جنس أدبي يتميز عن الأجناس الأخرى بمجموعة من الخصائص الفنية والجمالية وعلى أسلوب في السرد وعلى طريقة في التعبير مختلفة.
لقد ظهر الفانطستيك نتيجة عوامل متعددة ترجع إلى المفارقة بين الدين والعلم، عندما فرضت الكنيسة سلطتها الدينية في القرون الوسطى على المجتمع الغربي من خلال التفاسير الأسطورية التي تقدمها للموت والحياة الأخروية. ومن هنا فظهور الأدب الفانطستيكي كان نابعا من تربة خصبة خاصة بالمجتمع الغربي وبنيته الثقافية والاجتماعية.
خصائص الادب الفانطستيكي
استعان الباحث في استخراج خصائص الأدب الفانطستيكي، بمؤلفات غربية متنوعة تهتم بهذا المجال منها: Ana Gonzales Salvador في كتابها:":Merveilleux et Fantastique : essai de délimitation"و معجم R.CALLOIS " LE Fantastique dans la littérature" و كتاب T.Todorov" Introduction à la littérature Fantastique"...
ليصل بذلك إلى نتائج متنوعة نجملها في العوارض الآتية:
• تتجلى أهم خاصية في الأدب الفانطستيكي في خاصية السؤال على الحدود الفاصلة بين ما هو طبيعي وما هو خارق للطبيعة.
• ارتبط الأدب الفانطستيكي بتيار الوضعية الذي ساد في القرن التاسع العشر.
• استنتج تودوروف في دراسته لرواية "دوران اللولب" لهنري جيمس. أنها تتميز بالظهور المتدرج للخوارق، كما أن الراوي( وهي امرأة) تروي أحداث القصة باعتبارها عنصرا مشاركا وفاعلا في الحكاية. والتلميح إلى عنصر الخارق موجود بشكل مشتت في أرجاء النص، إضافة إلى سمة أخرى هي الغموض. إنه الفانطستيك الخالص القائم على الغموض والحيرة والقلق.
يقوم الأدب الفانطستيكي على خاصيتي السؤال الإشكال والرعب، وعلى ثوابت فكرية متجذرة في الفكر الغربي. وهكذا وبعد مناقشة علمية مستفيضة، يصل الباحث إلى الجواب عن السؤال المطروح وهو أن"الكتابة الفانطستيكية بالمفهوم الغربي غير موجودة في الإنتاج الأدبي العربي القديم"
وكسائر البحوث العلمية خصص الباحث خاتمة البحث لأهم الخلاصات التي يدعي عمله أنه استجلبها لنفسه، وقد عرضها في مجموعة من النقط يمكن أن ننتقي منها ما يلي:
• يتوفر التراث العربي على مادة ضخمة في مبحث الخوارق
• تعرف مصطلحات العجيب والغريب والخارق درجة من التداخل والتباعد والتقاطع
• إمكانية استبدال الخارق بالعجيب والغريب لتجاوز قلق استعماله في مبحث الخوارق
أمابعد:
لقد كان دافعنا لتقديم هذا الكاتب باعتماد منهجيتي العرض والتحليل ما وجدناه فيه من غنى علمي. ذلك أن الكتاب عمل أكاديمي جاد، استطاع فيه الباحث أن يصل إلى نتائج هامة تساعد على تجاوز الفوضى المصطلحية داخل المجال العلمي العربي. كما أن ذلك كله منصهر في بوثقة واحدة تميزت بجودة الكتابة العلمية واعتماد لغة علمية وأسلوب في العرض والتحليل متميزين، إلى جانب قوة الاستدلال والبرهنة. وهو ما يحسب للباحث إضافة إلى النتائج المتوصل إليها.
ونحن إذ نقف على مشارف النهاية، نؤكد أننا عمدنا إلى عرض الكتاب وفق منهجية تلخيصية تضع نصب عينيها الاغتراف من المضامين الأساسية للمؤلف، وتحاول أن توصل الكتاب إلى أغلب القراء وهي مناسبة ودعوة إلى قراءة العمل ومناقشته في فرصة قادمة.
[img][/img]

- قراءة :هشام حادف
بعد قراءتنا لكتاب بناء المصطلح للأستاذ الدكتور عبد الحي العباس. نقدم بين يديه بعض الملاحظات التي سجلناها على الكتاب وله:
هذه الملاحظات التي لا تخرج عن أمرين اثنين:
الأول هو النظر إلى شكل الكتاب.
الثاني هو النظر إلى مضمون الكتاب.
شكل الكتاب
-لقد جاء الكتاب على الحجم الصغير إذ لا تتجاوز صفحاته 130 صفحة، يبدأ بمقدمة مهمة مهد بها الباحث لدراسة المصطلح العربي.
-لقد قسم الكاتب كتابه تقسيمات ارتضاها إذ لم يعتمد التصنيفات المألوفة (فصل-مبحث-قسم...)
-عادة ما يلجأ إلى وضع خلاصة لكل فصل انتهى منه وهي طريقة ممتازة في التأليف تجعل القارئ غير تائه في دروب الدراسة وفي نهاية الكتاب هناك خاتمة تعتبرخلاصة لما تم ذكره في تضاعيف البحث.
مضمون الكتاب:
لا أروم في هذا النقطة تقديم قراءة نقدية للكتاب لأني لست من أهل التخصص، وإنما أود تسجيل بعض الملاحظات التي بدت لي جديرة بالتدوين.
1)وجود بعض الأخطاء (المطبعية) وهي كالآتي:
*المستظرف ص 59 السطر الثاني والصحيح هو المستطرف
*مرادفين يكن ص67 السطر الخامس والصحيح هو يكون
2)*وجود بعض الأخطاء نحسبها أخطاء منهجية ففي الصفحة 38 عندما مهد الكاتب لدراسة المستوى الاصطلاحي للعجيب ذكر أن كتاب القزويني يعد مرجعا مركزيا لمختلف الدراسات والأبحاث المعاصرة في موضوع الخارق، دون أن يذكر اسم الكتاب.
*في الصفحة 39 ذكر الكاتب أن القزويني "وضع حدودا بين العجيب والغريب مميزا هذا من ذلك"
لكن في الصفحة 65 السطر 11 نجد نقيض هذا الكلام يقول الباحث "ولم يميز القزويني العجيب من الغريب إلا أنه فهم موضوع الخوارق على أنه موضوع مركب بالضرورة".
3)عندما انتقل الباحث من الحديث عن المستوى المعجمي للعجيب والغريب إلى المستوى الاصطلاحي لهما، اعتمد كتابا واحدا وهو "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات" للقزويني. مما يدفعنا إلى التساؤل، هل لا توجد كتب أخرى تناولت المصطلحين بالدراسة غير كتاب القزويني؟
4)تحدث الكاتب في ما عنونه بخلا صات ص115 عن أن الدراسة عالجت مصطلحات العجيب والغريب والخارق من جوانب متعددة ولم يتطرق إلى ذكر الفانتسطيك في هذه الخلاصات.
هذه بعض الملاحظات التي نسجلها على الدراسة أما ما نسجله لها فهو أنها:
*دراسة دقيقة جادة لمصطلح (العجيب والغريب والخارق والفانطستيك)، ودقتها تتبدى في الرجوع بالمصطلحات إلى بيئتها الأصلية التي نشأت فيها، والوسط التداولي الذي أنتجها.
وتتجلى كذلك في عدم الوقوع في الخلط بين المصطلحات المقصودة بالدراسة ذلك الخلط الذي وقع فيه العديد من الباحثين العرب من مثل المصطفى الشادلي، وحمادى المسعودي ونعيمة بنعبد العالي، ولعل ذلك هو السبب الرئيس الذي دفع بالباحث إلى دراسة تلك المصطلحات وفكها من حبال الترجمة، وتحريرها من الاستعمالات الخاطئة، وهذه هي طريقته في دراسة المصطلح دليلنا على ذلك هو أننا رأيناه ونحن ندرس على يده مادة فقه اللغة يفرق بين(فقه اللغة، الفيلولوجيا، وعلم اللغة) بالطريقة نفسها التي اعتمدها في دراسته للعجيب والغريب.
-لقد استنتج الباحث أن مصطلح الخارق مصطلح يمكن أن يعوض العجيب والغريب معا

شكرا جزيلا على هذه التزكية والنقاش للكتاب، وربما فالقاسم المشترك بيننا هو أننا درسنا على يدي هذا الأستاذ مما قد يعفينا من الإشارة إلى مجموعة من الأمور المتعلقة بهذا الشخص، أعود إلى ما ذكرتموه من ملاحظات حو الكتاب. وأود أن أشير إلى أن بعضها ليس في محله، لن أشير إلى الأخطاء المطبعية لأنها ليست من صنع الكاتب، ولكن ما رأيتموه أخطاء منهجية،ليست كذلك: فالتناقض غير موجود، ذلك أن قراءتكم اجتزأت النص من سياقه فالباحث يقول عن كتاب القزويني في الصفحة 39:"وضع القزويني حدودا بين العجيب والغريب مميزا هذا من ذاك، غير أن حدوده قامت فيما يبدو، على أسس علمية نظرية وليس على أسس معجمية كما هي الحال عند ابن منظور"
ويعود ويقول في الصفحة 65:" ويكفي أن نستحضرالأمثلة التي وظفها القزويني في كتابه لنستنتج أنها تخضع إلى تصنيف علمي دقيق يفصل بين العجيب والغريب، إذ لم لم يوظف القزويني التصنيف بوصفه إجراء علميا إلا لإدراكه فيما يبدو قيمته العلمية، ولم يميز القزويني العجيب من الغريب إلا لأنه فهم موضوع الخوارق على أنه موضوع مركب بالضرورة"
أدعوكم إلى قراءة النص بتأن والوقوف على أداتي الجزم(لم) والاستثاء(إلا) في النص، لتفهموا أنه لا يوجد أي تناقض بين النصين. وأنكم قمتم بلي عنق النص واجتزائه من سياقه.
تساؤلكم عن عدم اعتماد الكاتب عن مؤلفات أخرى تعالج المستوى الاصطلاحي له ما يبرره.وقد ذكره المؤلف، أنظره في الصفحة 38 من الكتاب إذ لا أود الإطالة عليكم.
عدم الإشارة إلى الفانطستيك في الخلاصات له ما يبرره وهو أن الكاتب لا يعترف بالمصطلح في الحقل التداولي العربي فهو يقول في آخره مقاربته لمصطلح الفانطستيك:" فالفانطستيك بالمفهوم الغربي غير موجودة في الإنتاج الأدبي العربي القديم"ص: 114.
مع احترامي وتقديري لكم.

مشكور الأخ لحسن على هذه الفائدة الأدبية

شكرا جزيلا لك على هذه الإفادة الطيبة

واصل بنفس التفاعل و العطاء

تقديري الأخوي

*************