شذرات من السيرة النبوية المعطرة
بقلم - فالح الحجية
40
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله :
اذا كان العام الهجري العاشر قد ا نتهى بقيام ابي بكرالصديق في الحج بالمسلمين با مر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فان السنة الحادية عشرة شهدت حج النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين.
فقد اذّن النبي صلى الله عليه وسلم في الناس بالحج امتثالا لامرالله تعالى:
( واذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل
فج عميق*)
فلما اعلن المسير للحج تجمع الناس في المدينة ينوون قصد مكة لاداء فريضة الحج وفي اليوم السادس والعشرين من شهر ذي القعدة من العام الحادي عشر للهجرة المباركة تهيأ النبي صلى الله عليه وصحبه للسفر وقد ترجل وادههن وتوزر ولبس رداءه وصلى بالناس في المسجد النبوي صلاة الظهر وانطلق راشدا الى بيت الله الحرام .
حتى اذا بلغ ( ذا الحليفة ) وصلها قبل صلاة العصر فصلاها بالناس قصرا ثم بات في ( ذي الحليفة ) فلما اصبح الصباح قال النبي صلى الله عليه وسلم :
-( اتاني الليلة آت من ربي فقال لي : صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة )
ولم يتكن هذه الحالة مباحة من ذي قبل بل يعتبرها الجاهليون من اسوء حالات الفجور فكان النبي صلى الله عليه وسلم قد شرع بها للمسلمين بحيث اصبح مجازا من اراد ان يعتمر في ايام الحج بشرط النية بها اثناء الاحرام .
وقبل صلاة الظهر اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم وتطيب في راسه وجسده الشريف بطيب فيه مسك ولبس الازار والرداء ثم صلى الظهر بالناس قصرا ركعتين ونوى الحج والعمرة في مصلاه وقرن بينهما ثم لبنى قائلا :
( اللهم لبيك عمرة وحجا ... لبيك اللهم لبيك .. لا شريك لك لبيك... ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.. لبيك..)
وفي رواية اخرى ( لبيك اله الحق البيك ..) لذا فهي جائزة
ثم ركب القصواءواهل مرة اخرى فلما خرج الى البرية واستوت به البيداء اهل ثالثة وكان قد اشعر هديه بعد الصلاة وقلدها في ( ذي الحليفة )
فلما كان على مشارف مكة نزل في وادي ( ذي الطوى ) وبات فيها ليله وصلى الفجر بهذا الوادي ثم اغتسل وقصد المسجد الحرام فدخلها في اليوم الرابع من ذي الحجة وكان يوم احد فطاف بالكعبة سبعا ثم سعى بين الصفا والمروة ثم اقا م باعلى مكة عند الحجون وبقي في احرامه لجمعه بين احرام العمرة واحرام الحج وسياقه الهدي وامر الناس - من ساق منهم هديه معه - ان يستمر في احرامه .
واما من لم يسق الهدي معه فامره النبي صلى الله عليه وسلم ان يقصر من شعر راسه بعد الطواف بالكعبة سبعا والسعي بين الصفا والمروة سبعا . ثم يحل حلالا تاما ويجعل عمله هذا عمرة سواءا احرم بنية الحج او العمرة او بكليهما وقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
-( لو استقبلت من امري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ولأحللت فحل من لم يكن)
وفي اليوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم التروية فقد توجه الى وادي منى واحرم للحج كل من كان تحلل اما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يحل لانه احرم الحج والعمرة معا واقرنهما فصلى بمنى خمس صلوات هي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر الاتي هنا لابد ان اذكر انه صلى قصرا حيث صلى
الظهر والعصر والعشاء ركعتين فقط وبعد شورق الشمس ترك منى متوجها الى عرفة فوجد القبة قد نصبت له في نمرة فنزل فيها وبقي فيها حتى زوال الشمس فلما غربت ركب ناقته (القصواء) واتجه الى وادي عرنة وكان الحجيج قد اجتمعوا حوله من كل جانب يستمعون ماذا سيقول لهم فقام خطيبا
فقال في خطبته:
( الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير. أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.
أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.
وإن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا. وإن أول ربا أبدأ به عمي العباس بن عبد المطلب.
وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
أما بعد أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحرقون من أعمالكم فاحذروه على دينكم، أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
أما بعد أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق. لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد.
أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
فلا ترجعن بعدى كافراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت ... اللهم فاشهد.
أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب.
أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر. من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم.)
وقد نزل ايات من القران الكريم بعد هذه الخطبة تبين ان الله تعالى اكمل تعاليم الاسلام وكانت اخر اية نزلت من القرن الكريم قال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا )
هذه الخطبة جاءت نقلا من كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي لاعتماد الجمهور عليها وهناك نقول اخرى ايضا الا اني استقر رايي عله هذا النقل وبالله التوفيق
ثم اذن بلال بعد هذه الخطبة ثم اقام الصلاة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الظهرقصرا ثم اقام فصلى صلاة العصر قصرا ايضا فقد جمع الصلاتين الظهر والعصر وصلاهما قصرا في وقت واحد ولم يصل بينهما غيرهما .
ثم جاء الى الموقف فجعل بطن ناقته الى الصخرات مستقبلا القبلة وبقي واقفا في مكانه حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حيث جاء الى المزدلفة وفيها صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمزدلفة المغرب والعشاء في اذان واحد واقام لصلاة المغرب فصلاها ثم اقام لصلاة العشاء فصلاها .
ثم اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم حتى بزوغ الفجر فاذن بلال واقام الصلاة في الغبش فصلاها النبي صلى الله عليه وسلم مبكرا . ثم جاء الى المشعرالحرام فاستقبل القلبة ثم كبر ثم هلل ووحد حتى اسفر . ثم تحول الى منى قبل طلوع الشمس حتى جاء الى الجمرة الكبرى فالتقط سبع حصيات فرماها بعد ان كبر قبل رمي كل حصية ثم اتي الجمرة الوسطى ملبيا فرمى الحصيات ثم الى الجمرة الاخيرة او الثالثة فرماها كما فعل في الثانية ثم قطع التلبية ووقف صلى الله عليه وسلم قائلا للناس:
( خذوا عني مناسككم فلعلي لا احج بعد عامي هذا )
ثم جاء الى سكنه في وادي منى فنحر ثلاثا وستين بدنة ثم اكل علي بن ابي طالب نحر المائة بعير فنحر سبع وثلاثين بدنة ثم امر بان يؤخذ من كل بدنة بضعة اوقطعة فجعلت في قدر وطبخت فاكلوا من لحمها وشربوا من مرقها .
ثم دعى الحلاق فحلق له شق راسه الايمن فقسم شعره بين الناس كل شعرة او شعرتين ثا حلق له الشق الايسر فاعطاه الى ابي طلحة .
ثم تحلل ولبس ثيابه وتطيب . ثم ركب القصواء وقصد البيت الحرام فطاف طواف الافاضة ولم يطف بين الصفا والمروة ثم صلى الظهر
ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم الى ابناء عبد المطلب وهم يسقون الحجيج على زمزم فقال لهم :
-( انزعوا بني عبد المطلب فلولا ان يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم )
فنا ولوه دلوا فشرب منه حتى ارتوى.
وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم بالحجيج يوم النحر
عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: ( يا أيها الناس، أي يوم هذا؟ قالوا يوم حرام قال فأي بلد هذا؟ قالوا بلد حرام قال فأي شهر هذا؟ قالوا شهر حرام قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا) قال فأعادها مرارا، ثم رفع رأسه فقال( اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت ) ثم قال
فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) -قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته-
ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى منى مرة اخرى فبقي فيها ثلاثة ايام \ 11 و12 و13 ذي الحجة لرمي الجمرات الثلاث فكان كل يوم يرمي واحدة بعد زوال الشمس بدا بالجمرة الصغرى فرماها بسبع حصيات مكبرا مع كل رمية حصية في يوم 11 ذي الحجة ثم رمى الجمرة الوسطى رماها في يوم 12 ذي الحجة الحجة وفي الصباح خطب بالناس مؤكدا ماجاء بخطبته فيهم في يوم عرفة وزاد عليها ثم رمى الجمرة الكبرى رماها يوم 13 ذي الحجة .
وفي ثالث ايا م التشريق كان يو م ثلاثاء وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة وثاني يوم النفر نفر النبي صلى الله عليه وسلم من ( منى ) بعد رمي الجمرات فنزل الى الابطح وفي الابطح صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء كل في وقتها .
كانت معه في سفره الميمون هذا زوجته ام المؤمنين عائشة بنت ابي بكر الصديق و بهذا تكون قد اتمت الحج فارسلها النبي صل ى الله عليه وسلم صحبة اخيها عبد الرحمن لتتم عمرتها بعد الحج فذهبا الى (التنعيم ) وهو ميقات اهل مكة - والحمد لله قد احرمنا منه عندما سكنا في مكة اشهرا كاملا واعتمرنا ثانية - فاحرمت ثم اتت ال ى البيت الحرام فطافت سبعا حول الكعبة وسعت سبعا بين الصفا والمروة ثم تحللت من احرامها ثم جاءته بالابطح قرب صلاة الفجر وكان عليه الصلاة والسلام قد رقد بالابطح نومة خفيفة فلما وصلت عائشة اليه صلى الله عليه وسلم اذن بالرحيل فركب القصواء واتجه الى بيت الله الحرام فطاف طواف الوداع ثم صلى الفجر ثم
اذن بالرحيل متجها نحو المدينة المنورة .
ولما قرب من المدينة وظهرت له معالمها كبر ثلاثا ثم قال :
( لا اله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ) .
وهكذا انتهت حجة الوداع وعا د النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة والمنورة.
فالح نصيف الحجية
العراق- ديالى -بلدروز