احذر ! فطريقك وهم يا ولدي !
كلما أقبلت نفسي للحظة على التكاسل أفزعتني فجائية النهاية, فخطواتنا كلها في الحقيقة نبنيها على طريق من الخيال, ليست أرضاً صلبة نراها ونتلمسها, فنحن لا نبصر امتداد مشوارنا , نمد أرجلنا بالخطوة داعيين الله أن نجد تحتها أرضاً ! فمن يدري لعل تلك الخطوة هي آخر خطوة في الطريق , وكل الخوف أن تكون آخر خطوة لنا هي التي قررنا أن نتكاسل فيها , فيا للحسرة حينها !
إنه هاجس مخيف حقاً , ولكن اسأل أي إنسان أو حتى اسأل نفسك كيف تحب أن تبدو آخر لحظة في حياتك ؟ ستكون الإجابة إما ساجداً لله أو مجاهداً في سبيل الله أو تائباً دامعاً من خشية الله , فلا عجب من تقارب الإجابات؛ إنه شعور متأصل في أعماق نفوسنا جميعاً ولكننا قليلاً ما نتنبه لوجوده أو نؤمن بواقعيته إيمان اليقين , إنه الخوف من مصير ما بعد النهاية.
وفي هذا يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم: ( يموت المرء فيبعث على ما مات عليه فلينظر أحدكم على ماذا يبعث ), و كان يدعو دوماً صلى الله عليه وسلم أن يختم الله حياته بالحسن وهو المعصوم من السماء ! فكيف بنا وقلوبنا تتقلب بين اللحظة والأخرى, أليس أحق بنا نحن أن نكون أكثر حرصاً وخوفاً ؟
خاتمتك هي المعيار الذي تقيم على أساسه حياتك بأكملها, لن يشفع لك موقف من المواقف أو سنة من السنوات.تأمل قليلاً في ذكرياتك ستجد أن الختام هو الذي يبرق في الذاكرة كلما مرت سلسلة الذكريات , فمثلاً بعد ليال طوال محملة بصنوف العذاب والكفاح في سبيل تحقيق حلم جميل , ما نتذكره فعلياً من كل هذا هو لذة الانتصار هو دهشة النجاح , وليس المعاناة التي كانت تسبقه , واستمع إلى أي ناجح ستلحظ تصغيره للعقبات وتعظيمه للنتائج.
هكذا أيضاً في علاقاتنا مع من حولنا, فأي صداقة ختمت بالجفاء حتماً سيكون طبعها أليم على الفؤاد رغم كم السعادة الذي كان يصحبها, فطابع الذكرى يأخذ دائماً هيئة الختام.
القول بأن العبرة بحسن الخاتمة وليس بكثرة الأعمال الصالحة لا يجب أبداً أن يكون مثبطاً لعزيمتنا, بل بالعكس على الإطلاق, فأنت لا تدرك موعد هذه الخاتمة حتى تستعد قبلها وتغير لها مجرى خطواتك ! يقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ).
إن فكرة النهاية فكرة مرعبة حقاً إذا تأملناها بعمق للحظة, فهي غالباً فجائية صادمة, وإن جاءت متدرجة فما تتركه لنا من وقت لا يكفي إطلاقاً للإصلاح, إنما تمهلك وقتاً يكفي فقط للندم !
إن هذا الشعور المنبه الذي وضعه الله فينا يجب أن يكون دافعاً قوياً لنا على الصبر والثبات في كل صعب يواجهنا. هذا هو مفتاح سر الشخصية المؤمنة ذات الهمة العالية والإرادة التي لا تنهزم, فهي تواقة ليختم مشوار جهادها بأجمل لقطة, وأروع انتصار.
تلك الخواطر يجب أن تتشبث بعقولنا في كل حين نقبل فيه على ما يغضب الله أو ما يؤلم قلوب أحبائنا أو ما يخل بخطوات أحلامنا , فلعل هذا الحين هو موعد النهاية المنتظر , الذي تعلو فيه كلمة القدر وتنعدم فيه إرادة الاختيار.