حداثتنا الشعرية الثانية

حداثتنا الشعرية الثانية
***************
-1)الشعر راهن مستقبلي
*****************
الشعر الحداثي ، شعر حضاري بامتياز ، بما تحمله كلمة حضارة من معاني وظلال
، ممتلئة وشاسعة ، أعني بها استيعاب خصائصنا الجوهرية وصياغتها داخل
سياقات تعبيرية تتشرب خصائص الجوهر الانساني عامة .
فعندما ننقل أفعال
ومعايشات وجدانية /باطنية وخارجية ،الى مجال اللغة ، يصطدم القارئ ، ويرفض ،
لأن القارئ العربي الى يومنا هذا ، ما زال قارئا نمطيا وتقليديا ، لعوامل
عديدة ، فهو ما زال ينتظر بناء شخصيته من الآخرين وليس من ذاته هو ، حسب
فرادتها وتميزاتها وخصائصها ، والرؤية الى الانسان العربي ، ما زالت رؤية
قالبية وليست قلبية ، أي أن الانسان هو الانسان ، ولا فروقات جوهرية بين
هذا وذاك ،الا في تغير السحنات . وهذا اشكال معرفي وشعوري خطير يعيشه كبار
مثقفينا .
كما أن القارئ العربي لم يدخل بعد ، ولم ينخرط في الوجود ،
انه يعيش على هامش الوجود ، بل ان أكثرهم ما زالت تنطبق عليهم نظرية
أفلاطون الكهفية ، بمعنى ، أنهم ما زالوا في الطرف المظلم من الكهف /الوجود
. وذا لك الشعاع القليل المتسرب عبر الفتحة الكبرى لم يمسسهم بعد .
فهذا القارئ بغض النظر عن كم ونوع قراءاته ، لم يثب بعد في أدق مجالات الوثب كالشعر ،
باعتباره مجالا استعاريا ومجازيا وانزياحيا ، اذ يرتكز من هذه المستويات
على أطر تكثيفية وانحرافية ، وسريانية ، وهو ما يعطي للشعر بعده الابداعي .
فأن يرد مفهوم نقدي ما ،مثل -خلخلة الثوابت ، أو اختراق حصون المعنى، أو
تكسير جدران التقاليد الطللية، أو تهشيم الأنماط البالية ، فان ذلك يعتبر
عيبا ، بل جريمة في حق التراث ، وفي حق التقاليد المرعية ، والمحروسة ، من
قبل ترسبات ذات أبعاد سياسية وثقافية واجتماعية . وتنتاب القارئ وهو يقرأ
تلك المفاهيم حالات من الاشمئزاز والنفور ،ان لم يبلغ حد الهستيريا ؛ مع
العلم ، أنه يقوم بتلك الأفعال في حالات وعادات يومية ، دون أن ينتبه الى
ذلك ، لكن أن تنقل تلك المستويات الفعلية من تداولاتها اليومية في الحياة
العادية ، الى مستوى اللغة النقدية ، وهي تشتغل على نص شعري تستجيب بنيته
اللغوية والتركيبية والموسيقية الى تلك المفاهيم ، فهذا ما يأباه ، وتمجه
حمولته الثقافية والمعرفية .
رغم أن الجميع يدرك أن كثيرا من
المصطلحات النقدية القديمة نحتت من الممارسات اليومية التي يقوم بها الناس
في حياتهم العادية . ومصطلح النقد نفسه كمفهوم فني هو مستعار من المستوى
النقدي /المالي ، هذا دون الدخول الى تتبع باقي المصطلحات النقدية القديمة
عند العرب ، فهي في معظمها انزياح فني على مستوى تداولي يومي ، وأسماء بحور
الشعر مثلا ، دليل قوي ، فهي منزوعة برفق وفنية من وقع ححوافر الخيل
والجمال على الصحراء والتراب ،بل ان ناقدا كابن طباطبا اعتمد مفهوم وحدة
القصيدة من وحدة الجسد الانساني نفسه .
وهذا ما يعيدنا الى مناقشة الموضوع على مستويات عديدة ، في دراسة أخرى .
وحسبنا هنا التدليل على المقاربة النقدية للمفاهيم التي أثبتناها سابقا ،
مع السلوكات اليومية للانسان العربي ، فهو يخلخل القطع الآيلة للسقوط من
جدار ما ، و يخلخل أغصان الأشجار ، ويصبو الى اختراق الحواجز الاجتماعية
بكل عوائقها ، ويكسر الجوز والفواكه الجافة ليستمتع بلبها ، ويهشم الكؤوس
في حالات الغضب ، بل قد يهشم رأس صديقه ، اذا انتزع منه حبيبته ، كأقصى
حالات الدفاع عن أجمل علاقاته الانسانسية وأشرفها .
وما ان تنقله الى
المجال الثقافي والذهني والنفسي ، عبر هذه الممارسات ومصطلحاتها اللغوية ،
حتى تنتابه حالة اصطدام نفسي ، ويجد نفسه آليا أمام حالة رفض كلي . ليس
رفضا تساؤليا ، بقدر ما هو رفضا جوابيا . انه يجيب عن نفسه قبل أن يجيب عن
سؤال كان الأحرى به أن يطرحه قبل أن يرفضه .
لم يرفضه ؟ ما مبرراته
الحقيقية ؟ وما مسوغاته البدهية ؟ . الثقافة هي فعل سؤال يتوالد ويشتق من
أسئلة لامتناهية ، وغير السؤال يبقى الثبات والسكون . بالسؤال تقع الحركة ،
وفي السؤال يسكن المثقف والانسان الحر .
والشعر الحداثي هو شعر بداية ،
بداية زمني في ارتباطه مع زمن غيري ،أفقيا وعموديا ، ماضيا وحاضرا
ومستقبلا ، أي أننا نعمل على تحيين الشعر أبدا كبداية ، دون مباشرته من
منطلقات مرضية شوفينية برفض ما سبقه من نماذج عالية وراقية ، في جميع
أشكالها ، عمودية كانت أو حرة ، أو تفعيلية ، او منثورة ، أو مدورة أو
موشحة ، الشعر هو أن يلامس شعوري واحساسي ، ومختلف انتظاراتي ، بهذا يكون
الشعر مني ينطلق ، وبي يعانق الأفق اللامحدود .
الشعر كبداية رهان صعب
وتجريبي ، يلزمه الخوض المعرفي على أكثر من مستوى ، لأنه ليس ،ماهو موزونا
مقفى ، هذا تعريف بدائي موغل في الشكلية ، وهو ليس لغة تكتب وكفى ، ويتم
تعيينها بكونها شعرا . الشعر اعظم من ذلك بكثير . اذن يبقى الشعر الحقيقي
الذي يصمد ويفرض نفسه ، هو ذلك الشعر الذي لا ينطلق من عدم ، وانما ينطلق
من هضم مختلف التجارب ، قديمها وحديثها ، داخلها وخارجها ، والبداية هي
الانخراط في الراهن ،لاستشراف القادم ، بهذا يكون الشعر فعل خلق واستبطان
ورؤيا ، وليس خط وتدوين كلمات بلغة عربية سليمة . هكذا نعيش أبدا مستقبلنا
دونما التنكر لاضاءات الماضي وأنوار الحاضر ، حاضرنا وحاضر غيرنا
......للدراسة بقية

شكرا على الموضوع المفيد


مساهمة قيمة جزاك الله سعادة الدارين

جزاك الله خيرا
طرح جميل، أسأل الله ألا يحرمك الأجر

» الاصالة الشعرية
» فروض محروسة و منزلية مادة الرياضيات الثانية ثانوي إعدادي الدورة الثانية
» الصورة الشعرية
» العاب طبخ - الشعرية
» الأوزان الشعرية