منتديات الفردوس المفقود
عزيزي الزائر يشرفنا إنضمامك لأسرة المنتدي بالضغط علي كلمة التسجيل وإن كنت عضوا في المنتدي فبادر بالضغط علي كلمة دخول وأكتب أسمك وكلمة السر فنحن في إنتظارك لتنضم إلينا
منتديات الفردوس المفقود
عزيزي الزائر يشرفنا إنضمامك لأسرة المنتدي بالضغط علي كلمة التسجيل وإن كنت عضوا في المنتدي فبادر بالضغط علي كلمة دخول وأكتب أسمك وكلمة السر فنحن في إنتظارك لتنضم إلينا
منتديات الفردوس المفقود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الفردوس المفقود

منتدى للابداع والتربية والترفيه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول
أخي الزائر بعد تسجيلك بالمنتدى سيعمل مدير المنتدى على تنشيط عضويتك ..وشكرا
اهلا وسهلا بك يا زائر
كتابات  نقدية : د وليد قصاب 21_05_1213376309211
كتابات  نقدية : د وليد قصاب 052112130544nzhmb91h8rjfmgyu
الى كل أعضاء الفردوس المفقود وطاقم الاشراف والمراقبة والادارة المرجو ايلاء الردود عناية خاصة
مطلوب مشرفين لجميع الاقسام
Google 1+
Google 1+
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني




 

 كتابات نقدية : د وليد قصاب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
المدير العام
المدير العام



الجنس : انثى
عدد المساهمات : 4797
نقاط : 8690
السٌّمعَة : 481
تاريخ التسجيل : 09/12/2011
الموقع : https://wwpr.forummaroc.net/

الأوسمة
 :

كتابات  نقدية : د وليد قصاب Empty
مُساهمةموضوع: كتابات نقدية : د وليد قصاب   كتابات  نقدية : د وليد قصاب Emptyالجمعة يناير 25, 2013 2:55 pm

النّقد الأدبيّ الإسلاميّ





هل هناك نقد إسلامي؟

أقول:

نعم هنالك نقد إسلاميّ، وقد بدأ هذا النقد - شأن الأدب الإسلاميّ - بنزول القرآن الكريم، وانطلاق دعوة التوحيد. وإن ما في القرآن الكريم من آيات كثيرة تتعلق بالشعر والشعراء، والكلمة ومسؤوليتها وأنواعها هي البذرة الأولى للأدب والنقد الإسلاميين.



ثم كانت أحاديث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومواقفه الكثيرة من الشعر والشعراء و أصحاب القول، وأرباب البيان، هي البذرة الثانية للمنهج الأدبيّ الإسلاميّ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



ثم كانت أقوالٌ كثيرة جداً للصحابة والفقهاء والعلماء والنقاد هي البذرة الثالثة لهذا النقد الإسلامي[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



إن جذور هذا النقد إذاً جذورٌ قديمة، وقد ترك لنا التراث الأدبيّ العربيّ - في عصوره المختلفة - ما يصلُحُ أن يتأسس منه هذا النقد.



قد لا تكون صورة هذا النقد - قديماً وحديثاً - قد تبلورت بعد على شكل نظرية متكاملة العناصر والأطراف، ولكنه موجود وهو يحتاج إلى هذا التأسيس المنهجيّ ؛ لأن مادته حاضرة واضحة.



وقد يلتقي هذا النقد مع نظريات نقدية غربية أو شرقية في نواح كثيرة ولكنه ليس واحداً منها.



قد يلتقي النقد الإسلامي مع النقد التاريخي ولكنه ليس نقداً تاريخياُ محضاً، وقد يلتقي مع النقد الاجتماعي أو النفسي أو الألسني أو نقد التفكيك والتلقي أو غيرها في جوانب كثيرة أو قليلة ولكنه ليس أيّاً من هذه المناهج، ولا مُنتمياً إليها.



والتقاؤه مع هذه المناهج لا يعني أنه نقد تلفيقي أو توقيفي؛ إذ لو كان الأمر كذلك لكان كل منهج أو مذهب أدبي أو فكري يلتقي مع غيره في ملامح وسماتٍ متشابهة هو كذلك؛ لأننا لانعدم أن نجد في كلِّ مذهبٍ أو اتجاهٍ أو عقيدةٍ ملامح أو مشابه من مذاهب ومناهج سبقته.



ليس هناك كلام يخلص على الإطلاق من آثار من تقدمه إلا كلام المتكلم الأول على هذه البسيطة.



أوَ ليس في القرآن الكريم نفسه بعض ما كان من شرع من قبلنا من اليهود أو النصارى أو غيرهم؟ ولكن أحدا لا يقول- وحاشاه أن يفعل- إن كلام القرآن ملفق أو مصنوع مما سبق، بل هو نسيج وحدِه.



والنقد الإسلامي المنشود - وإن اتفق مع كثير أو قليل مما يوجد في المذاهب والمناهج النقدية القديمة والحديثة، والعربية والغربية - ليس أحدها، ولا ملفقاً منها.



إن هذا النقد الإسلامي يلتقي - على سبيل المثال - مع النقد الجمالي أو الشكلاني في الاهتمام بالشكل ؛ فهو (التعبير الفنيّ) ولكنه يختلف عنه في أنه لا يُهمل المضمون، (فهو التعبير الفنيّ الهادف عن التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة) فهو إذاً لا يُسقط من قيمة الأفكار والمعاني، ولا يعُدُها أمراً ثانوياً لا أهمية له. و الشكل فيه ليس هدفاَ في حد ذاته، وغايته ليست جمالية فحسب، ولكنه وسيلة لخدمة المعنى، وتقديمه في صورة باهرة مؤثرة.



وإن النقد الإسلاميّ يلتقي- كما ذكرنا - مع النقد التاريخي أو الاجتماعي، أو الإيدلوجي عامة في الاهتمام بالمضمون، وتوقير النصوص التي تخدم قضايا المجتمع والناس، وتعالج همومها، ولكنه ليس نقداً تاريخياً ولا اجتماعياً ولا إديولوجياً، لأن مفهومه عن المجتمع والواقع والناس مختلف عن مفهوم هذه المناهج والاتجاهات، ولأنه - في توقيره للمضمون الذي توقره هذه المناهج وفي وقوفه عنده طويلأ - لا يقبله، ولا يعززه على حساب الشكل، كما تفعل بعض تلك المناهج المذكورة.



وإذا كان النقد الأدبي - في مفهومه العام - هو مقاربة النصوص، والبحث عن جمالياتها، وتحليل هذه الجماليات ؛ فإن النقد الأدبي الإسلامي لا يحصُرُ هذه الجماليات في الشكل وحده، ولكنه يجعلها متحققة ً بالشكل والمضمون معاً؛ فالنص الأدبيّ المتميز هو جِماع شكل متألقٍ باهر ومضمون ٍ خيّرٍ نبيل.



وهكذا يبدو النقد الأدبي الإسلامي ذا خصوصية معينة، تجعله متميزاً من غيره مهما التقى معه في بعض التصورات والآراء.





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] - جمعناها في كتابنا " النظرة النبوية في نقد الشعر: المكتبة الحديثة ، العين ، الإمارات العربية المتحدة .


- جمعناها في كتابنا " النقد العربي القديم : نصوص في الاتجاه الإسلامي والخلقي " دار الفكر ، دمشق .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wwpr.forummaroc.net
Admin
المدير العام
المدير العام



الجنس : انثى
عدد المساهمات : 4797
نقاط : 8690
السٌّمعَة : 481
تاريخ التسجيل : 09/12/2011
الموقع : https://wwpr.forummaroc.net/

الأوسمة
 :

كتابات  نقدية : د وليد قصاب Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتابات نقدية : د وليد قصاب   كتابات  نقدية : د وليد قصاب Emptyالجمعة يناير 25, 2013 2:57 pm

هموم نقدية




إنَّ المرحلة الحالية للشِّعر الجديد، أو شعْر الحَداثة، أو الشِّعر الحُرِّ، أو غير ذلك مِن التَّسميات الكَثيرة التي لمَّا يُتَّفقْ على واحِدة منها - مرحلة مُنحطَّة، وهي تُمثِّل تَدهْوُرًا ذريعًا، وانحِدارًا مُخيفًا، وقد تغرَّب الشِّعر فيها أو كاد؛ تغرَّب فِكْرًا ومَضمونًا ولغةً، ومُورِستْ فيه الشَّعوذَة والدَّجَل على مدًى واسِع، وتمَّ ذلك كلُّه تحت وهْمِ الحَداثة والتَّجديد والمُعاصَرة، إنَّ المرحَلة الرابِعة لشِعْر الحَداثة - كما يَحلُو لبعضِهم أن يدعوها، وهي المرحلة التي يمرُّ بها شِعرُنا العربي اليوم - لا تكاد تُقارَن بشِعْر المرحلة الأولى أو الثانية.




لقد كان الرُّوَّاد الأوائل لهذا الشِّعر - على اختِلاف مشاربهم واتِّجاهاتهم السياسيَّة والفِكريَّة - يَنطلِقون مِن أرض صُلْبة، بثَقافة عَميقة، واطِّلاع غزير؛ هضَموا التُّراث، واستَوعبُوا مُتطلَّبات العصْر، فاستَطاعوا أن يُقدِّموا للقَصيدة العربيَّة رُوحًا جَديدة، ونمَطًا آخَر طريفًا، لا أقول مع المُتعصِّبين لهذا الشِّعر: إنه زاحَمَ القَصيدة العَمودية، أو أزاحَها عن الدَّربِ، ولكنِّي أقول: إنه رافَقَها، وثبَّت له أقدامًا في الأرض إلى جوارها، ولكن جيل المرحلة الحالية لا يَعي ما يَصنع، وليس عنده شيء يقوله؛ لأنه يَنطلِق مِن فَراغ فِكريٍّ مُريع، ومِن خَواء ثَقافيٍّ مُدمِّر، فقَدَ القُدرة على مُحاوَرة الماضي والحاضر، واستسْهَل الفنَّ، وأراد الوصول مِن أقْرَب الجُسور، فراحَ يأتي بهذا الهذَيان المحموم الذي يُطالعنا ليلَ نهار.




لقد جنَى أصحاب هذه المَوجة على الحياة الفِكريَّة والثقافيَّة جنايةً كُبرى لن يَغتفِرها التاريخ:

بغَّضوا الناس في الشِّعر، وشوَّهوا صورته في ضمائرهم.




سطَّحوا أذواقهم، وقتَلوا شهيَّتهُم.




أقاموا برْزخًا بين الشِّعر والناس، فلم يعُدْ فاعِلاً في الحياة كما كان.




جرَّؤوا الأدْعياء والمُشعْوِذين على الاقتِحام والوُلوغ عِندما زيَّنوا - تحت ستار الدِّعاية التي تَملِك كل شيء - أنَّ كلَّ ما يخطر في البال شِعر.




هدموا القِيَم الفنيَّة، وحطَّموا المعايير الأدبيَّة والنقديَّة التي يُمكِن أن تَكون سورًا يَحمي كل فنٍّ، ويَحفَظ له حُرمتَه، ويُقيم التَّمايُز بينه وبين غَيره، فلا يُسمَّى القفْز رَكضًا، والغِناء رقْصًا، والجَمل فأرًا.




إنَّ أخطَر ما يَسود الحياة الفكريَّة المُعاصِرة ذلك الإيهام الذي يُروَّج له بإلْحاح، وهو أنَّ تحرير الفنَّان مِن قيود الفنِّ يَحمِله على الإبداع، وعلى ارْتياد الآفاق الجَديدة، وهذا ضَلال أحمقٌ لا يُقرُّه عقْل؛ فإنَّ الفنَّ - في حدِّ ذاته - قَيد، بل إنَّ القيد مِن صَميم الفنِّ، ولولاه لَمَا تميَّز مِن اللَّعِب، ولا تميَّز عبثٌ مِن تَنظيم، ولا لغة مِن لَغْو.




إنَّ الفنَّان الأصيل هو الذي يتغلَّب على هذه القُيود، ويُبدِع على وجودِها، وإذا حطَّمها أو مشَى على أنقاضِها لم يُسمَّ فنَّانًا، ولكنَّه يُسمَّى مُخرِّبًا، وقد تتبدَّل القُيود والقَواعد، وتَستجدُّ أنماطٌ أُخرى، تثُور على المألوف - كما ثارتِ الرُّومانسيَّة مثلاً على قواعِد الكلاسيكيَّة الغربيَّة وحطَّمتْها - ولكنَّ الجَديد يَحمِل معه قُيودًا جَديدة يُعدُّ الخُروج عليها صُبوءًا.




إنَّ جيل المَوجة الرابِعة الحَديثة جيلٌ كَسول، لا يَحمِل نفْسَه على الدَّرس والدأبِ والتَّحصيل، وهنالك مَن (يُعمْلِقُه) لغايات، فيَزداد قُعودُه عن الجدِّ، وقد قطَع جُسوره قَطعًا ظاهِرًا مع مَنابِع الشِّعر العربيِّ الأصيلة، وتَجاهَل التراث القَديم تجاهُلاً تامًّا، ودعَا أحيانًا إلى حرْقِه، وحَسِب أنَّ مرحلة القَصيدة الحديثة على أيدي جيل الروَّاد أو غيرهم هي بداية الشِّعر العربيِّ، أو هي تاريخه الحَقيقي، وهذا ضَلال بعيد، ونتيجتُه الأكيدة هي هذه الضَّحالة وهذه القَماءة اللَّتان تَسودان شِعْر هذه الأيام.





إنَّ التَّجديد لا يَحدُث مِن فَراغ، وإنَّ معرفة تاريخ أيِّ فنٍّ مِن الفُنون، وقتْل هذا التاريخ بحثًا وغَوصًا واستِكْناهًا أوَّلُ خُطوة في سبيل تَجديده؛ كما أجمَع على ذلك الباحِثون والنُّقَّاد كافَّة، وإنَّ استِحضار تاريخ أيِّ رائد مِن رُوَّاد فكْر أو فنٍّ مُعيَّن لَيَشهدُ بذلك؛ لقد اعترف النُّقاد لبشَّار بن بُردٍ، وأبي نُواس، وأبي تمَّام، وأبي الطيِّب المتنبِّي، وأبي العَلاء المَعرِّي - مُجدِّدي الشِّعر العربي الكِبار في العصْر العبَّاسي - بعُمقِ اطِّلاعِهم على الشِّعر القَديم، وغَوصِهم فيه، وقد استَطاعوا جميعًا - بفضْل هذا الغَوص، وبحُكمِ هذا الاستِكْناه العَميق - أنْ يُمدُّوا الشِّعر العربي بطاقات جَديدة، وأنْ يَرسُموا في مَساره توقيعات أصيلة رائِعة، أنعشَتْ رُوحه، وبعثَتْ في أوصاله دِماءً جديدةً، ولكنَّها لم تَبُتَّه مِن جذوره، ولم تقلعْه مِن تُربتِه لِتَستَنبِتَه في أرضٍ أُخرى يَبدو فيها هَزيلاً تَقتلِعُه الرِّيح عند أوَّل عاصِفة.




وأحمد شَوقي - سيِّد المُجدِّدين في العصْر الحديث - والعقَّاد، ومحمود حسن إسماعيل، وعُمر أبو ريشة، وغَيرهم كَثيرون - لا يَخرُجون جميعًا عن هذه القاعدة؛ إنهم ذَوو اتِّصال عَميقٍ بالتُّراث، وإبحار طويل في شواطِئه المُختلفة، وبسبب مِن ذلك، وبما أكبُّوا عليه مِن اطِّلاع غزير على ضُروب أخرى مِن الثَّقافة المُتنوِّعة، وبسبب حاجات العصْر، ومَواهبِهم الذاتيَّة؛ استَطاعوا أنْ يُجدِّدوا في الشِّعر العربي، وأن يُضيفوا إليه الكثيرَ الكثير ممَّا هو رائع أصيل، مِن دون أن يُخرِجوه مِن ثَوبه، أو يُزهِقوا رُوحه، بل ظلَّ ابنًا شرعيًّا لذلك الأب العظيم، تَجري فيه دماؤه، ويمتدُّ معه نسبُه، بَقِيَ عربيَّ الوجه والملامح والسِّمات.




وحدَث مثل ذلك - أو شَبيه به - على أَيدي رُوَّاد الشِّعر الجَديد مِن أمثال: نازك الملائكة، وبدْر شاكر السيَّاب، وعبدالوهاب البَياتي، وصَلاح عبدالصَّبور، ونزار قبَّاني، وغيرهم؛ لقد اطَّلع هؤلاء جميعًا على التراثِ، واغترَفوا منه، وكانوا مُمسِكين بناصِيَة العَروض الخليليِّ، وكتَبوا فيه شِعرًا جميلاً، ثمَّ جدَّدوا عن اقتِدار، وأبدَعوا عن بصيرة، وهكذا يَبدو واضِحًا أنَّ أغلبَ المُجدِّدين الحقيقيِّين في الشِّعر الحديث - إنْ لم نَقُلْ: جميعهم - الذين رفَدوا القَصيدة العربيَّة بطاقات جديدة، هم أولئك الذين طال باعُهم في كتابة الشِّعر العَموديِّ، واستَحكمتْ تجاربُهم فيه.




إنَّ أيَّ تجديد لا يجوز أن يكون طفْرةً، أو انقِطاعًا تامًّا مِن الجُذور؛ وإنما التَّجديد الأصيل هو الذي نلمح فيه الماضي والحاضر، هو الذي نجد فيه ملامِح الأجْداد دون أن يَكون نُسخةً منهم، ولكنَّ غَيبةَ هذه الملامِح تُشكِّك في نسَبِه، وتُدخِله في زُمرَة الهُجَناء اللُّقَطاء الذين لا تُعرَف أُصولهم ولا أحسابُهم.




والشِّعر العربيُّ يَشهَد اليوم انتِكاسةً خطيرةً على أَيدي الشُّداة الذين لا يَتتلمَذون على المنابع الأصيلة، بل يَتتلمَذون على الرَّوافد الجانبيَّة، إنَّ قَصائد الشِّعر الحَديث - مهما بلَغ مِن فنِّيَّة بعضِها وجَودتِه - لا تَصلُح أنْ تَكون أُستاذًا لمَن يُريد أنْ يَكون شاعِرًا، بل يُستأنَس بها استِئناسًا، وهي لا تُقيم لعاشِق الشِّعر والرَّاغب أن يَكون مِن مُمارِسيه - أرضًا صُلْبةً يَنهَض عليها مُتماسِكًا قويًّا.





وتَشهَد السَّاحة الأدبيَّة اليوم إقبالاً لا نظير له على كِتابة هذا اللَّون الجَديد مِن الشِّعر، وإنَّ الكثْرة الكاثِرة مِن مُقتَحمِي حرَمِ هذا الفنِّ لا يَكتُبون إلا بشكْل القَصيدة الحَديثة، وهم مُنصرِفون كل الانصِراف عن القَصيدة العموديَّة، وقد خلَّف هذا الانصِرافُ لدى المتأمِّل سطْحَ الأمور مجموعةً مِن الأوهام:

أنَّ القَصيدة العمودية قد انقرضَتْ، ولم يَعُدِ العصر عصرَها.




أنَّ القَصيدة الحديثة أكثر مُناسَبةً للحياة المُعاصِرة، وهي أشدُّ الْتِصاقًا بها، وأَقدَر على التَّعبير عن همِّها، على حين لا تَستطيع القَصيدة العموديَّة أن تَنهَض بهذا.




وهذه أوهام ضالَّة فرضَها واقِع الحال، أما أنَّ القَصيدة العموديَّة صارتْ نادرةً فهذا حقٌّ، ولكن هذه النَّدرة مُسوَّغة بالعجْز الثقافيِّ القاتِل لدى شباب هذه الأيام الذين يَتعاطَون الكِتابة، فالغالبية العُظمى مِن هؤلاء لا يَعرِفون العَروض الخليليَّ أصلاً، وهم لا يُكلِّفون أنفسَهم عَناء الإقبال على درْسِه؛ لأنَّ هُنالك مَن يُقنِعهم ليلَ نهار بعدم جَدْواه، وأنَّهم يَكتُبون الشِّعر بدونه، بلْ إنَّ كل ما تَرمِي به قَرائِحُهم يُمكِن أنْ يُسمَّى شِعرًا، فلماذا الجهْد، ولماذا وجَعُ الرَّأسِ؟! وفي ظلِّ مناخ يَسود فيه ضعْف التَّحصيل العِلميِّ في كلِّ مَيدان مِن ميادين المَعرِفة عِندَنا، ويَنعدِم فيه الإخلاص، وتُسْتَسْهل فيه الطُّرق، ويَبحث عن الوصول السَّريع - تَكون القَصيدة الحَديثة مؤاتية لهذا كلِّه؛ إنها أخفُّ مَحملاً، وأَيسَر مُؤنةً، وهي لا تتأبَّى على أحد، ولا تُخيِّب طامِعًا في وِصال، ولا سيَّما إنْ فُهمَ هذا الشِّعر - وكثيرون هم الذين يَفهمُون ذلك - انفِلاتًا مِن الوزْن والقافِيَة، بل مِن القُيود جميعها، وفي هذه الحالة تمتلئ الساحَة بمئات الشُّعراء الذين صارُوا شُعراءَ بلا أدنى جهْدٍ، مِن دون أن يتكلفوا عُسرًا، أو يَحمِلوا إصْرًا لا طاقَة لهم أصْلاً على حمْلِه.




وهكذا يُصبِح في الدِّفاع عن هذا الشِّعر مَصلحةٌ شخصيَّة لِقَوم هو بضاعتُهم التي لا يُحسِنون سواها، وإذا حُدِّث أحدهم عندئذ في أمْر قواعِد الفنِّ، أو أُصول الشِّعر، وطُلب منه أن يتَّقيَ الله في الوزْن، أو القافية، أو اللغة، أو غير ذلك مِن وسائل الأداء، وكان لا يَعرِف شيئًا مِن هذه الأشياء جميعِها؛ فماذا تتوقَّع أن تَكون النتيجة؟ أليس الردُّ الطبيعيُّ أنْ تتحكَّم القاعدة المشهورة: (الإنسان عدوُّ ما يَجهَل) فيَصِم هذه الأدوات بأنها قيود وأغْلال سَخيفة، تَحُدُّ مِن حرِّية الشَّاعر، وتَغُلُّ انطِلاقه، وتَعوقه عن المَسيرة الظافِرة المُنتصِرة إلى عوالم لا حدَّ لها؟!





إنَّ الشِّعر العربي مُحتاج اليوم - في تَقديري - إلى بعْثٍ جَديد، وإلى إحياء شَبيه بذلك الذي حدَث له في مَطلَع عصْر النَّهضة على يدَي البارُوديِّ وشوقي وأضْرابِهما، ولن يَحدُث ذلك إلا بالعودة إلى الجُذور، والقَصيدة العمودية - بقُدرتِها على ضبْط الفكْرِ واللغة والشُّعور - هي المَعلَم الرئيس الكَبير في هذه الجُذور.




إنَّ القصيدة العموديَّة تَضبِط الفكْرة، وتُمسِكها مِن التسيُّب والانسِياح في ودْيان زئبقيَّة لا تَحمِل مَدلولاً محدَّدًا، وهي كذلك تَضبِط الأدَوات التعبيريَّة، وتَجعلُها تَمضي في مسار دقيق مُنظَّم.




والأمثلة على صحَّة هذا الزعْم أكثر مِن أن تُحصَى، وحسْبُك أنْ تَنظُر في بعض ما يَصدُر عمَّن يدَّعون الحَداثة المُطلَقة مِن شعْرٍ عَموديٍّ أحيانًا لِتَشعُر أنَّ شيئًا ما يَصل إليك، وأنَّه يُمكِن أن يَنتصِب أمامك فكْرة أو ظِلال فكْرةٍ، أو شيء ما مَفهوم على الأقل يُريد الشَّاعر أن يَقوله، ولا يَحدُث ذلك في الغالبيَّة العُظمى مِن نماذِج الشِّعر الحَديث التي يَكتُبها هؤلاء أنفسُهم، وهذا ليس اتِّهامًا للشِّعر الحَديث، ولكنَّها ظاهِرة ملموحةً، وأبسَط ما تدلُّ عليه سوء فهْمِ حقيقة هذا الشِّعر، وارتِباطه - ظُلمًا - بكل غُموض، وفوضَى في التعبير، وتَشويش في الأفكار، وعيثفي اللغة، وفي مثل هذه الحالة المرَضيَّة المُتفشِّية، يَكون الشِّعر العموديُّ مرْفأً لا بدَّ مِن الرُّجوع إليه؛ لحِمايَة الشِّعر مِن السُّقوط النِّهائيِّ، ولا بدَّ عِندئذ مِن الذبِّ عنه، وعدَمِ إخلاء الساحَة منه؛ حتَّى لا يتوهَّم المُتوهِّمون أنه قد انقَرض، أو أنَّ نماذِجَه غير قادِرَة على مُجاراة تقانات العصْر المُختلفة.



وأخيرًا أقول: إنَّ الاقتِتال حول قديمٍ وحديثٍ، وحول عموديٍّ وحُرٍّ، قد صار ضرْبًا مِن السَّفسطَة التي لا طائل تحتها، وقد ضاع الشِّعر في خِضمِّ ذلك كلِّه، كما ضاعت لِحْيَة أخينا ذات يوم بين امرأتَيه، فراحَ يندب حظَّه التعيس قائلاً: "بين حانَا ومانَا ضيَّعنا لِحانَا".




وآخِر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالَمين



.drop-shadow {
position:relative;
float:left;
width:180px;
padding:.5em;
margin:.5em 10px 2em;
background:#fff;
-webkit-box-shadow:0 1px 4px rgba(0, 0, 0, 0.3), 0 0 40px rgba(0, 0, 0, 0.1) inset;
-moz-box-shadow:0 1px 4px rgba(0, 0, 0, 0.3), 0 0 40px rgba(0, 0, 0, 0.1) inset;
box-shadow:0 1px 4px rgba(0, 0, 0, 0.3), 0 0 40px rgba(0, 0, 0, 0.1) inset;
}

.drop-shadow:before,
.drop-shadow:after {
content:"";
position:absolute;
z-index:-2;
}
.curved:before {
top:10px;
bottom:10px;
left:0;
right:50%;
-webkit-box-shadow:0 0 15px rgba(0,0,0,0.6);
-moz-box-shadow:0 0 15px rgba(0,0,0,0.6);
box-shadow:0 0 15px rgba(0,0,0,0.6);
-moz-border-radius:10px / 100px;
border-radius:10px / 100px;
}
.curved-hz-2:before {
top:0;
bottom:0;
left:10px;
right:10px;
-moz-border-radius:100px / 10px;
border-radius:100px / 10px;
}
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wwpr.forummaroc.net
Admin
المدير العام
المدير العام



الجنس : انثى
عدد المساهمات : 4797
نقاط : 8690
السٌّمعَة : 481
تاريخ التسجيل : 09/12/2011
الموقع : https://wwpr.forummaroc.net/

الأوسمة
 :

كتابات  نقدية : د وليد قصاب Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتابات نقدية : د وليد قصاب   كتابات  نقدية : د وليد قصاب Emptyالجمعة يناير 25, 2013 2:58 pm

كيف يتعامل الأدب الإسلامي مع قضية القدم والحداثة؟




إن الخصومة بين القديم والحديث، أو بين ما يسمَّى الآن "الأصالة والحداثة"، أو "التراث والمعاصرة"، أو غير ذلك من تسميات - هي قضية قديمة حديثة؛ ففي كل زمان ومكان يوجد مَن يتعصَّب لقديم أو حديث، أو يتعصَّب - في مقابل ذلك - على القديم أو الحديث.



وفي عصرنا مَن فهم الحداثة على أنها "الخروج على جميع ما سلف"، أو أنها التغيير الجذري لكل ما عُرف، أو ما سمي "ألمًا قبل" بتعبير بعضهم؛ فاحتقر التراث العربي الإسلامي جميعه، وعدَّه ساقطًا باليًا، في مقابل إنجازات الحداثة المعاصرة، التي دخلتْ من أوسع الأبواب إلى أدبنا الحديث، وهي - في غالبيتها - إنجازات الحداثة الغربية، وقد صدرتْ عن حضارة أخرى، وعن ثقافة غربية، مخالفة في القيم والتصوراتِ الفكرية والفنية لحضارتنا وثقافتنا.



ويتبنَّى الأدب الإسلامي الذي ندْعو إليه منهجَ الوسطية والاعتدال في التعامل مع هذه القضية المهمة الحاضرة باستمرار، وهذه الوسطية هي من جوهر الإسلام، الذي يقتبس منه الأدب الإسلامي؛ فالإسلام دين الوسطية في كل شأن من شؤون الحياة والكون والإنسان.



إن وسطية الأدب الإسلامي في التعامل مع قضية " القدم والحداثة" تمثلها - في رأينا - مجموعةٌ من التصورات، يمكن إبراز أهمها في النقاط التالية:

1- على حد تعبير ابن قُتَيبة: لم يقصر الله العلم والأدب والثقافة على قومٍ دون قومٍ، ولا خصَّ بها ناسًا دون ناس، من القدماء أو المحدَثين، بل مِن عدلِه أن ذلك حظ مشترك بين الجميع؛ فلا يجوز - بسبب من ذلك - التعصب لقديم أو حديث، أو التعصب على قديم أو حديث لمجرد الزمن وحده؛ فإن مقياس الزمن غير ثابت؛ فالقديم كان حديثًا في يوم من الأيام، والحديث اليوم سيغدو بعد حين قديمًا.



2- وبناءً على ما سبق؛ فإن ما يسمى "الخصومة بين القدم والحداثة" ما هو في حقيقته إلا خصومة بين القيم، بين الحق والباطل، اللذين تضبطهما قواعدُ الدين وأُسس الشرع، وقد يكون كل منهما مع هؤلاء أو أولئك من قدماء ومحدَثين؛ فلا خصومة أو صراع إذًا بين سلف وخلف، أو آباء وأبناء، كما تتمثَّل ذلك بعضُ التصورات الفكرية الحديثة.



3- لا يسعى الأدب الإسلامي وراء التجديد لذاته، شأن الاتجاهات الحداثية التي جعلتْ ذلك وكدها، فأعلتْ من شأن كل جديد لمجرد أنه جديد، وسفَّهتْ من شأن كل قديم لمجرد أنه قديم، ولكنه يسعى إلى الجديد الرشيد، الذي يحمل الحقَّ والخير، ويُغنِي التجرِبة الإنسانية، وهو ينفر من كل جديد أو حديث إذا كان شاذًّا، أو مخالفًا لشرع الله، كما هو شأن كثير مما تحمله بعض الاتجاهات الفكرية المعاصرة.



4- لا يعني التجديدُ الخروجَ المطلقَ على كل تراث أو قديم؛ ففي ثقافتنا ثوابتُ لا يجوز الخروج عليها؛ لأن هذا الخروج يعدُّ خروجًا من الدين، ومروقًا من العقيدة، ولكن التجديد الرشيد - الذي أشرنا إليه - هو في المتغيرات التي لم يَرِدْ فيها نص قطعي الدلالة.



5- يميز الأدبُ الإسلامي بين التجديد في المضمون والتجديد في الشكل؛ فالأشكال الفنية هي - غالبًا - محايدة، ولكن المضامين تمثِّل عقيدة الأمة التي أنتجتْها، فينبغي أن يتعامل معها بحذر، فلا يؤخذ منها إلا ما يتفق مع الإسلام.



6- إن التجديد مطلبٌ حيوي في الأدب الإسلامي؛ فهو نوعٌ من التحسين والتجميل، فيحرص عليه، ويسعى إليه، على أن يكون رشيدًا مفيدًا.



وإن المبدع المسلم مثقَّف ينفتح على ثقافات العصر، ولكن بوعيٍ وبصيرة، وإن الأدب الإسلامي لا يحقق حضورَه وذيوعَه إلا من خلال هذا الانفتاح، مع المحافظة على شخصيته وأصالته



تعليقات حول المقال

ليس في الأدب قديم وحديث
الدكتورأحمد بن المبارك ابوالقاسم - المملكةالمغربية 24-01-2013 05:07 PM
أولا: تحية للأستاذ الفاضل ، وشكرا له على هذه الالتفاتة العلمية الهادفة.
ثانيا: أرى، ولا أفرض رأيي على أحد، أن الأدب في أي زمان وفي أي مكان، هو الأدب بسماته وخصائصه وأساليبه وشروطه، وأسسه ومناهح بنائه، وأهدافه ووسائل تذوقه. والأدب الحق، لا يمكن وصفه بقديم ولا حديث، إلا في أدمغة القاصرين، الذين ينزلقون مع المفاهيم التي لا يحسنون فهمها ولا توظيفها، ولا الغاية من ورائها، وإنما يتلقفونها كالببغاوات.ولا معنى للقديم والحديث في الأدب إلا في أدمغة الدجالين"الأديولوجيين الديماغوجيين" ذوي الأهواء والهراء السياسي المجاني ، المغلف بالتبعية الاستعمارية الموهمة بالتقدم، الذي لا يراد به، في الحقيقة، إلا المسخ والتضليل وسحق هوية الأمة، بإذابتها في هوية لاتمت إليها بصلة، بدعوى الحداثة والتطور. والحداثة عندهم، هي خدمة الصهيونية ، والعلمانية، أوالماسونية الشيطانية، ولذلك لا حداثة،ما يزعمون ، إلا بقطع الصلات مع ماضي الأمة، وإذابة هويتها، وطمس معالمها، مقابل الإذابة في الغرب، وتقليد كل مساويه.
إن الأدب العربي الإسلامي له ثوابته، وله خصائصه، وضوابطه، المتمثلة في مايلي:
1- اللغة العربية الفصيحة ، بكل خصائصها ومقوماتها الأسلوبية.
2-القاعد المنهجية والشكلية المتعارف عليها في الخطاب العربي الإسلامي، نظما ونثرا.
3-مراعاة الأهداف النبيلة، وتوخي السمو بأذواق الأمة، بما لا يتنافى مع العقيدة الإسلامية ومكارم الإسلام السلوكية.
4- تمثيل الأمة، من المعاناة الفردية التي لا ينبغي أن تكون مجرد كلام فارغ من أجل الكلام الفارغ ،كما هو الحال في جل خطابات "الحداثيين ، ممثلي الغرب عندنا".
الحرص كل الحرص على تمثيل ماضي الأمة قي حاضرها، لضمان مسقبلها في الوجود الكوني، بهويتها واستمرار ثقافتها المتأصلة، فالأمة التي لا أصل لها، أمة لقيطة، لا يعترف الكون بمشروعية وجدها على مزبلة غيرها.
5- إن الأدب الأدب الذي لا يمثل أمته ماضيا وحاضرا، في هويتها ومعانياتها ولغتها، وأعرافها ، وثقافتها الماضية والحاضرة، وجميع عناصر حضارتها الخاصة بها، لا معنى لكونه قيما ولا لكونه حديثا، وعدمه أولى من وجوده.نعم لكل متغير تقتضيه الظروف والأحوال وسنة التطور، فلكل جديد لذة، ولكن ليس خارج الثوابت، ولاعلى حساب الهوية، ولا في أي لباس يتنكر للأصالة، ويمجه الذوق السليم، ويقدح في هوية الأمة، ويقوض أسس حضارتها.





1- تعقيب
د عدنان - عمان 09-12-2012 08:05 AM
مقال متميز يتسم بالوسطية والاعتدال وهو ما ينبغي الدعوة إليه وهذا ما يسمى كتابات الدكتور قصاب الرائدة العميقة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wwpr.forummaroc.net
Admin
المدير العام
المدير العام



الجنس : انثى
عدد المساهمات : 4797
نقاط : 8690
السٌّمعَة : 481
تاريخ التسجيل : 09/12/2011
الموقع : https://wwpr.forummaroc.net/

الأوسمة
 :

كتابات  نقدية : د وليد قصاب Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتابات نقدية : د وليد قصاب   كتابات  نقدية : د وليد قصاب Emptyالجمعة يناير 25, 2013 3:03 pm

تجنيد العقائد المنحرفة في الأدب العربي الحديث





ذكرنا في مقالٍ سابق أنَّ ارتباط الآداب بالعقائد - سماوية أو بشرية - هو ارتباطٌ وثيق في القديمِ والحديث؛ فالأدبُ ضرْبٌ من الفكر، وكل فكر يقدِّمُ رسالةً ما، صادرة عن التصورِ العقديِّ الذي أفرزها.



ولقد تعرضت الأمةُ العربية والإسلامية منذ مطلع ما يحسبه بعضُهم "عصر نهضة" إلى غزوٍ عسكري مسلح، فتشتت شملها، وانفرط عقدُ وحدتها، ووقعت كثيرٌ من بلدانها وأقطارها في قبضةِ احتلالٍ عسكري غربي مدجَّج بأفتك الأسلحة وأقواها، ثم تلاه ما هو أخطر منه، وهو الاحتلال الفكري والغزو الثقافي، وما خرج العسكري الأجنبي من بلادِنا إلا بعد أن سلَّمَ الرايةَ لغزاة الفكرِ والثقافة.



ولأنَّ الأمَّةَ صارت في حالةِ ضعف وانكسار، بعد أن دالت دولتُها، وسقطت خلافتُها، وأحست بتفوق هذا الغازي الأجنبي الذي غلبها - راحت تقلِّدُه، وتأخذ بنظمِه وقوانينه وفكره، بحسب سنة تقليد المغلوب للغالب.



وإنَّ أدبنا العربي الذي كان منذ أن جاء الإسلام - إلا في استثناءات قليلة - يغترف من نبعِ العقيدة، ويتشكل في ضوء هديها، قد جدَّت فيه - من داخل الأمَّةِ وخارجها - تياراتٌ وفلسفات وأفكار كثيرة مخالفة للإسلام.



وكانت هذه الدعوات تلقى على الدَّوام دعمًا من الخارج، ويحظى المنادون بها بكلِّ حظوةٍ وتقدير، وينصَّبون رموزًا للثقافةِ والفكر.



انفتح بابُ أدبنا العربيِّ الحديث على مصراعيه - من غير حذر ولا رقيب - على تياراتٍ لا حصر لها قادمة من الغرب؛ كالعلمانية، والماركسية، والوجودية، والليبرالية، والعبثية، وغيرها.



كما أُحيِيَت فيه عقائدُ ونحل منحرفة كانت دائمًا في موطنِ الشبهة والاتهام عند علماءِ الأمة وفقهائها ومفكريها؛ كالباطنيةِ والصوفية والقدرية وغيرها.



وإنَّ الدَّارسَ ليلحظُ أنه لم تبقَ نِحلة أو دعوة أو فلسفة من الفلسفاتِ التي تخالفُ الإسلامَ إلا ارتادها أدبُنا العربيُّ الحديث، حتى لم يعد خافيًا على أحدٍ هيمنة هذه العقائدِ والأيديولوجيات المنحرفة على ساحتِه، واستئثارها بتصوراتِه ورؤاه.



تسمَّتْ مدارسُ ومذاهب بأسماءٍ وثنية، ولمعت وذاعت في عالم الأدب عندنا، وهل ثمة ما هو أشهر من مدرسة "أبولو" في الأدبِ العربي الحديث؟ ومن هو "أبولو" هذا؟ إنه - فيما تدعي الأساطير اليونانية - ربُّ الشعر والشمس والموسيقا[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]!



وتسمت طائفةٌ من شعراءِ الحداثة بالشعراء "التموزيين ومن هو تموز؟ إنه وثنٌ استخدم عند البابليين إلهًا للمحاصيلِ والإنبات كما تدعي أساطيرُ أولئك القوم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



بل إنَّ شاعرًا مشهورًا من رموزِ الحداثة يستبدلُ باسمه العربي "علي أحمد سعيد" اسمًا وثنيًّا، فيدعو نفسه "أدونيس" وهو - فيما تزعم أساطير الفينيقيين - إله الخصب عندهم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



كما احتشد الشعرُ العربي الحديث - والحداثي منه على وجه الخصوص - بعشراتِ الرموز الوثنية والنصرانية، واستعمل مفرداتها وألفاظها، وقد استغرب محمود شاكر - رحمه الله - أنَّ كثيرًا من روادِ الشعر العربي الحديث - من المسلمين - قد أوغلوا في استخدامِ ألفاظ من مثل: (الخطيئة، والفداء، والصلب، والخلاص وغيرها)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



وكان أدباءُ النصارى - على مختلف اتجاهاتهم - يعكسون عقيدتَهم فيما يكتبون، وكانت النصرانية هي العنصر الأبرز في أدبِهم.



وقد تجلى ذلك أبرز ما تجلى في أدبِ المهجر؛ فأدباؤه - وجلُّهم من النصارى - تسيطر على شعرِهم وعلى نثرهم الروحُ الدينية لعقيدتهم، وهم يستلهمونها فيما يكتبون.



كان جبران وزملاؤه من كتَّابِ الرابطة - كما يقول الدكتور عبدالكريم الأشتر -: "هم الرسل الأمناء الحقيقيين الذين يبشرون بالمبادئ المسيحية الحقة.."[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



وتضيق المساحةُ في مثل هذا المقام عن أنَ يورد المرء ما لا حصر من تجنيدِ العقائد والأيديولوجيات المختلفة في الأدبِ العربي الحديث، الذي أصبح عند قومٍ من بني جلدتنا ساحةً مباحة لكلِّ فكر، إلا الفكر الإسلامي!



وحسبنا أن نوردَ في هذا المقام ما لاحظته لجنةُ الشعر في المجلس الأعلى لرعايةِ الفنون والآداب بمصر، من القيمِ العقدية المنحرفة التي غزت الشِّعرَ العربيَّ الحديث، وذلك في مذكرةٍ رفعتها إلى وزير الثقافة يومذاك، وقد جاء فيها: "إنَّ مراجعةً سريعة لكثيرٍ مما يسمَّى بالشعرِ الجديد لتكفي للدلالةِ على أنَّ أصحابَه واقعون تحت تأثيراتٍ، إذا حلَّلناها وجدناها منافيةً لروح الثقافة الإسلامية العربية، التي هي الروحُ المميزة لشخصيتنا الفنية على مدى العصور، مما يجعلُ كتاباتهم مرفوضة حتى لو أخرجناها من دنيا الشعرِ لندخلها في عالم النثر الفني؛ وذلك لأنها تشيعُ في كياننا العضوي عنصرًا غريبًا يهدمُه ولا يعمل على بنائه ونمائه.



ومن ذلك ميلهم الشديد نحو الاستعانةِ في التعبير بعناصر يستمدونها من دياناتٍ أخرى غير العقيدة الإسلامية، بل مما تأباه هذه العقيدة؛ كفكرةِ الخطيئة، وفكرة الصلب، وفكرة الخلاص، وذلك فضلاً عما يستبيحونه لأنفسِهم بالنسبةِ لكلمة (الإله)، كأنما هي ما تزالُ عندهم كلمةً بمعناها الوثني، ولم تتخذ في الإسلامِ معنى خاصًّا يجبُ احترامه، مهما كان السياق الذي تردُ فيه.."[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



وعلى تعدُّدِ الأيديولوجيات والعقائد التي انعكست في الأدبِ العربي الحديث كانت "العلمانية" أو قل: " اللادينية" هي السمة الكبرى التي جمعت بينهما، وهي الفكر الذي صدرت عنه الثقافةُ الغربية عامَّة، ورسَّخته الاتجاهاتُ الحداثية وما بعد الحداثية بشكلٍ خاص.



وهذا يعني أنَّ الأدب العربي - وهو يتبنى هذه العقائد والفلسفات على يديْ طائفة من أبنائه - ينسلخ عن الإسلامِ شيئًا فشيئًا؛ ينسلخ عن العقيدةِ التي صدر عنها منذ مبعث الدعوة المحمدية، وكانت - على ما شابها أحيانًا على أيدي طوائف معينة - هي المحضنَ الأوَّل له.



وإنه لتجدر ملاحظة أنَّ هذا الفكر العلماني المنحرف المدعوم من الغربِ لم يكن يمسُّ إلا العقيدة الإسلامية وحدها، ولم يكن يتجرأ إلا عليها، بل على إسلامِ السنَّة والجماعة خاصَّة.



يقول الدكتور إحسان عباس - وهو يرصدُ حركةَ الشعر العربي المعاصر -:

"أصبح التمييز - في الدائرة الشعرية - مرحليًّا، وصحب ذلك كله إيمانٌ بأنَّ كلَّ قيمة ثابتة - أيًّا كان منبتها، ومهما تكن مدَّة ثباتها - فهي تشيرُ إلى الرُّكود، أو التخلُّف، أو الجمود، سواء أكانت تلك القيم تتصلُ بالدِّين، أو بنمطِ حياة، أو طريقة تفكير، وكان هذا الوجه من النظرِ يصيب أكثرَ ما يصيبُ مؤسسةً قائمة على ثوابتَ ضرورية مثل الدِّين، وخاصة الدين الإسلامي في صورتِه السنية؛ من حيث إنه صورة كبيرة من صور التراث.."[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



وإنَّ المرء - بعد كلِّ هذا - ليأخذه عجبٌ لا يشبهه عجب؛ أن يرى طائفةً من أدباءِ المسلمين ونقادهم يسكتُ على تجنيدِ طوائف كثيرة من الشعراءِ والكتاب للنحلِ المختلفة التي تتجافى مع الإسلام في أدبهم، ولا يرفع عقيرتَه بالاحتجاجِ والتنكير، ثم إذا ما سمع طائفة من المسلمين تدعو إلى استلهامِ دينها في أدبها، والصدور عن منابعه - ارتفعت هذه العقيرة، وبلغ النكيرُ أقصاه، ولم تبق نهمة من مثل التطرف، والتخلف، والرجعة، والعصبية، وغيرها الكثير، إلا أُلصقت بهؤلاء القوم.




التوثيق:

1- انظر كتاب" جماعة أبولو، وأثرها في الشعر الحديث" لعبدالعزيز الدسوقي: ص344.

2- انظر كتاب" ميثولوجيا وأساطير الشعوب القديمة" لحسن نعمة: ص198.

3- المرجع السابق: ص136.

4- أباطيل وأسمار، لمحمود شاكر: ص205- 215.

5- انظر كتاب "النثر المهجري" لعبد الكريم الأشتر: ص65.

6- انظر كتاب (الأدب الإسلامي ضرورة) لأحمد محمد علي: 50، نقلاً عن (قضايا ومواقف) لعبد القادر القط: 12.

7- انظر كتاب" اتجاهات الشعر العربي المعاصر" لإحسان عباس: ص113.






[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] انظر كتاب: "جماعة أبولو، وأثرها في الشعرِ الحديث"؛ لعبدالعزيز الدسوقي، ص (344).


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] انظر كتاب: "ميثولوجيا وأساطير الشعوب القديمة"؛ لحسن نعمة، ص (198).


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] - المرجع السابق، ص (136).


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] - أباطيل وأسمار؛ لمحمود شاكر، ص (205 - 215).


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] - انظر كتاب: "النثر المهجري"؛ لعبدالكريم الأشتر، ص (65).


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] - انظر كتاب: "الأدب الإسلامي ضرورة"؛ لأحمد محمد علي، (50)، نقلاً عن "قضايا ومواقف"؛ لعبدالقادر القط، (12).


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] - انظر كتاب: "اتجاهات الشعر العربي المعاصر"؛ لإحسان عباس، ص (113).



.drop-shadow {
position:relative;
float:left;
width:180px;
padding:.5em;
margin:.5em 10px 2em;
background:#fff;
-webkit-box-shadow:0 1px 4px rgba(0, 0, 0, 0.3), 0 0 40px rgba(0, 0, 0, 0.1) inset;
-moz-box-shadow:0 1px 4px rgba(0, 0, 0, 0.3), 0 0 40px rgba(0, 0, 0, 0.1) inset;
box-shadow:0 1px 4px rgba(0, 0, 0, 0.3), 0 0 40px rgba(0, 0, 0, 0.1) inset;
}

.drop-shadow:before,
.drop-shadow:after {
content:"";
position:absolute;
z-index:-2;
}
.curved:before {
top:10px;
bottom:10px;
left:0;
right:50%;
-webkit-box-shadow:0 0 15px rgba(0,0,0,0.6);
-moz-box-shadow:0 0 15px rgba(0,0,0,0.6);
box-shadow:0 0 15px rgba(0,0,0,0.6);
-moz-border-radius:10px / 100px;
border-radius:10px / 100px;
}
.curved-hz-2:before {
top:0;
bottom:0;
left:10px;
right:10px;
-moz-border-radius:100px / 10px;
border-radius:100px / 10px;
}
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wwpr.forummaroc.net
Admin
المدير العام
المدير العام



الجنس : انثى
عدد المساهمات : 4797
نقاط : 8690
السٌّمعَة : 481
تاريخ التسجيل : 09/12/2011
الموقع : https://wwpr.forummaroc.net/

الأوسمة
 :

كتابات  نقدية : د وليد قصاب Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتابات نقدية : د وليد قصاب   كتابات  نقدية : د وليد قصاب Emptyالجمعة يناير 25, 2013 3:08 pm

يَزْعم بعض النَّقاد العرب الحداثيِّين - إنْ عَنْ حُسْن نيَّة؛ بسبب عدم الاستِقْراء الدقيق للنصوص، وإنْ عن تجاهل متعمَّد -: أنَّ فكرة "تعَدُّد القراءات" أو فكرة تعدد الدلالات في النُّصوص، هي فكرة جديدة على النَّقْد العربي، وهي من فُتوحات النقد الحداثيِّ وما بَعْد الحداثي.



يقول كمال أبو ديب، أحد كبار نُقَّاد الحداثة - متحدِّثًا عن تعدُّد دلالات النصِّ -: "إنَّها خصِّيصة خرجَتْ على وحدانيَّة البُعْد، ووحدانية المعنى في التراث الشِّعري، وأسست التعدُّد بدلاً من الوحدانيَّة جذرًا للفاعليَّة الشعرية، وينبوعًا من ينابيع الرُّؤيا الحديثة للعالَم"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



وهذا كلامٌ مِن أعجب العجَب؛ إذْ هل يعقل أن يكون ناقدٌ كبير بِحَجم "كمال أبي ديب" جاهلاً وُجود عشَرات النُّصوص في التراث النَّقدي العربي التي تتحدَّثُ عن تعدُّد دلالات النَّص الأدبي عامَّة، والنصِّ الشِّعري خاصَّة؟!



ها هو ذا القاضي الجرجانيُّ في كتاب "الوَسَاطة بين المتنبِّي وخصومه" ينصُّ صراحةً في موطن تأويله لبعض شِعْر أبي الطيِّب: "أنَّ باب التَّأويل واسع، والمقاصد مغيَّبة"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



ويقول ابنُ الأثير في "المثل السائر": "إنَّ باب التأويل غيرُ محصور.."[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



ويتعمَّق ابنُ رشيق في هذه القضية أكثر، فيُشير إلى ظاهرة تعدُّد القراءات، وإلى غِنَى النُّصوص الشعرية خاصة بالدلالة؛ مِمَّا يفتح الباب في تأويلها واسعًا، ويؤسِّس ثقافة التعدُّد، وبدلاً من الوحدانيَّة التي يَنْفيها "أبو ديب" عن التُّراث، ويجعلها من ينابيع الرُّؤيا الحديثة للعالَم.



يقول ابنُ رشيق في بابٍ يسمِّيه أصلاً "باب الاتِّساع":

"وهو أن يَقول الشاعر بيتًا يتَّسِع فيه التأويل، فيأتي كلُّ واحد بِمَعنى"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



ثم يبيِّن ابنُ رشيق في العبارة السابقة نفسها أسبابَ هذا الاتِّساع، فيقول: "وإنَّما يقَعُ ذلك لاحتمالِ اللَّفظ وقوَّتِه، واتِّساع المعنى".



وتتجلَّى ملامحُ هذه القضيَّة بَعْد ذلك كثيرًا في أجيج الخُصومة النقديَّة، الَّتي شبَّتْ حول أبي تَمَّام؛ إذِ اتَّسَع مجالُ القول في معاني الطَّائي بسبب ما اتَّسمَتْ به من عُمْق وغموض؛ مِمَّا فتح باب التأويل فيها، وفهم دلالاتها، على مِصْراعيه".



يقول التبريزيُّ عن بعض أبيات أبي تمام: "رُبَّما احتمل البيت معنيَيْن، ويكون أحَدُ المعنيين أقوى من الآخر، فلا يُميِّز بينهما إلاَّ مَن حَسُن فهْمُه، وصَفا ذِهنُه؛ لأنَّ نقد الشعر أصعب من نَظْمه"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



ولو مضى الباحِثُ يستقصى ما وردَ في نقدنا العربي القديم من نصوصٍ واضحة الدلالة حول وجود هذه الظَّاهرة "ظاهرة تعدُّد القراءات"، واتِّساع الدلالات في النُّصوص الأدبية - لَمَلأ في ذلك الصَّفحات.



إنَّ هذه ظاهرةٌ متأصِّلة في التراث الأدبي والنَّقدي، ولم تكن في انتظار فُتوحات الحداثيِّين حتَّى تَخْرج إلى النُّور، وكم بُنِيَت كثيرٌ من خلافات اللُّغويين والنقاد والفقهاء والأصوليِّين على سبَب اختلاف التَّأويل، والاتِّساع في تغيُّر النُّصوص، من مُنطلَق الإيمان بأنَّ النصَّ العظيم الرَّائع غنِيٌّ بالدلالة، مكتَنِز بالمعاني، وقد قال علماؤنا عن القرآن الكريم - هذا الكتاب البلاغيِّ المعجز -: "إنَّه حَمَّالُ أوجُه"؛ مشيرين بذلك إلى الثَّراء اللُّغوي الذي يحمله نظْمُه، فيجعله منفتحًا على أفقٍ رَحْب من التَّفسير والتأويل على أيدي العالَم البصير الذي يستطيع استِنْباط ذلك، والوقوع عليه في ضوء ما تحتَمِله لغةُ النَّص قبل كلِّ شيء.



تعدُّد الدلالات في النصوص:

أدرك النَّقدُ العربي منذ فترة مبكِّرة - ومن قبل أن يُصبح ذلك (تقليعة) يتَناقلها اليوم نُقَّاد الحداثة وما بعد الحداثة - أن النصَّ الأدبي غنيٌّ بالدلالات، وأنَّه مِن أجْلِ ذلك قد يحتمل وجوهًا متعدِّدة من التأويل، وقد يتَّسِع فيه مجالُ التَّفسير والقراءة، وإبداء الرَّأي.



جاء في "الوساطة" في نَقْد عليِّ بن عبدالعزيز الجرجاني لِبَيْت أبي الطَّيب المتنبي:




مَا بِقَوْمِي شَرُفْتُ بَلْ شَرُفُوا بِي كتابات  نقدية : د وليد قصاب Space
وَبِنَفْسِي فَخَرْتُ لاَ بِجُدُودِي كتابات  نقدية : د وليد قصاب Space


قوله: "فخَتَم القول بأنه لا شرَف له بآبائه، وهذا هَجْو صريح، وقد رأيت مَن يَعْتذر له فيزعم أنَّه أراد: ما شرفتُ فقط بآبائي؛ أيْ: لي مَفاخرُ غير الأبُوَّة، وفِيَّ مناقِبُ سوى الحسَب، وباب التَّأويل واسع، والمقاصد مُغيَّبة، وإنَّما يُستشهَد بالظَّاهر، ويتبع موقع اللَّفظ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



وأورد ابنُ رشيق بيتَ امرئ القيس في وصف فرَسِه:




مِكَرٍّ، مِفَرٍّ، مُقْبِلٍ، مُدْبِرٍ مَعًا كتابات  نقدية : د وليد قصاب Space
كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ كتابات  نقدية : د وليد قصاب Space


تحت ما سَمَّاه "باب الاتِّساع"، فذكَرَ أكثر من تفسيرٍ له، ثم عقَّبَ على ذلك هذا التعقيبَ الذكي، فقال: "يقول الشَّاعر بيتًا يتَّسِع فيه التأويل، فيأتي كلُّ واحدٍ بِمَعنى، وإنَّما يقع ذلك لاحتمال اللَّفظ، وقُوَّته، واتِّساع المعنى"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



وزاد البغداديُّ في "خزانة الأدب" على ما أثبتَه ابنُ رشيق من توجيهاتٍ لبيت امرئ القيس، ثم علَّقَ على ذلك قائلاً: "هذا ولم تَخْطر هذه المعاني بخاطر الشَّاعر في وقت العمل، وإنَّما الكلام إذا كان قويًّا مِن مثل هذا الفحل احتمَلَ لقوَّتِه وُجوهًا من التأويل؛ بِحَسب ما تحتمل ألفاظه، وعلى مقدار قُوى المتكلِّمين فيه"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



التأويل وقصد المتكلم:

ولكن النَّقد العربي - كما هو واضحٌ - يحترم النَّص ودلالاته اللغويَّة، وذلك مقدَّم عنده على ما يسمى بـ"مقصديَّة المؤلِّف".



وها هو ذا الآمدي - صاحب كتاب المُوازنة بين الطائِيَّيْن: أبي تمام والبُحْتري - يردُّ على تهمة وجَّهَها إليه أنصارُ أبي تمام؛ إذْ رمَوْه بأنه لم يَفْهم ما قصده شاعِرُهم من كلامه، ولم يدرك ما رمى إليه في قوله:




الوُدُّ لِلقُرْبَى وَلَكِنْ عُرْفُهُ كتابات  نقدية : د وليد قصاب Space
لِلأَبْعَدِ الأَوْطَانِ دُونَ الأَقْرَبِ كتابات  نقدية : د وليد قصاب Space


فأبو تَمَّام الذي نقَدَه الآمديُّ بأنَّه قد نقَصَ الممدوح بِرُتبةٍ من الفضل، وجعَلَ وُدَّه لذوي قرابته، ومنهم عرفه، وجعله في الأبعدين دونَهم" لَم يفهم - في زَعْم ناقديه - كلام أبي تَمَّام، فأبو تمَّام أخرج أقارِبَه من المعروف؛ لأنَّهم في غِنًى وسعَة.



يردُّ الآمديُّ على هؤلاء النَّاقدين قائلاً: وكيف يُعلَم أنَّهم أغنياء، وليس في ظاهر لَفْظ البيت دليلٌ عليه، قال: نَوى وأراد، قلتُ: ليس العمل على نيَّة المتكلِّم، وإنما العمل على ما توجبه معاني ألفاظِه، ولو حمل كلام كلِّ قائل، وفعل كلِّ فاعل على نيته، لَما نُسِب أحدٌ إلى غلطٍ ولا خطأ في قولٍ ولا فعل، ولكان مَن سدَّد سهمًا وهو يريد غرَضًا فأصاب عين رَجُل فذهبَتْ، غيرَ مخطئ؛ لأنَّه لم يعتَمِدْ إلاَّ الغرض، ولا نوى غيرَ القِرْطاس"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



وهي عبارةٌ تستنبط منها - على وجازتها - مجموعةٌ من الأحكام التي تتعلَّق بتأويل الكلام أو تفسيره، منها:

1- أن النصَّ وحْدَه هو المخوَّل بإعطاء الدلالة، وفَرْز المعنى المُراد، ومنه وحده تُستنبط الأحكام، وتستخرج المفاهيم، وبذلك يحتفِظُ النصُّ - بما تعطيه معاني ألفاظه - بِهَيبته ومكانته وسُلْطانه، ولا يعتدي عليه معتدٍ.



2- أنَّ فكرة "أن المعنى في بطن القائل" - كما يَقُول بعضهم - غيرُ صحيحة؛ لأنَّ الناقد لا يُعوِّل على نوايا المتكلِّم، وهو غير قادرٍ على ذلك أصلاً: لا شرعًا ولا عقلاً؛ فالنِّيات لا يَعْلَمها إلاَّ علاَّم السرائر، والناقد ليس عرَّافًا ولا قارِئَ فنجان، وإنَّما هو متلقٍّ يقوم بنشاطٍ عقلي منطقي تُمْليه لغةُ النَّص الذي أمامَه، وطبيعة ألفاظه وعباراته، تُمْليه - كما يقول الآمديُّ - "معاني ألفاظ المتكلِّم".



وهذا عندئذٍ يُلْغي فكرةَ "مقصديَّة المتكلِّم"، ويحيل على مقصديَّة النَّص، ويعطيه السُّلطان على نَحْو ما فعلَت البنيويَّة بعد ذلك بقرون.



وها هو ذا عبدالقاهر الجرجانيُّ يؤكِّد في نصٍّ بالغِ الدلالة أهميَّةَ مرجعية النص، وأنَّ احتمالية ألفاظه هي الأساس في كلِّ ما يذهب إليه المؤوِّل، أو يَعْدل إليه المفسِّر، وهو ينعي على قومٍ يُفْرِطون في التأويل، والتكثُّر من الْتِماس دلالات متعدِّدة من النَّص من غيرِ سنَدٍ لفظي في النَّص يُرشِدُهم إلى ذلك.



يقول عبدالقاهر: إنَّ الإفراط هو ما يتَعاطاه قومٌ يحبُّون الإغراب في التأويل، ويحرصون على تكثير الموجود، وينسَوْن أنَّ احتمال اللفظ شرطٌ في كلِّ ما يعدل به عن الظَّاهر، فهم يستَكْرِهون الألفاظ على ما لا تقلُّه من المعاني"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



3- أنَّ سلطان القارئ إذن أو سلطان المتلقِّي - خلافًا لما يقوله التفكيكيُّون وأصحابُ نظرية التلَقِّي - منضبطٌ بالنَّص المقروء، محكومٌ بدلالة ألفاظه، ومعاني عباراته، وليس سلطانًا مطلَقًا، يجعل هذا القارئَ يُؤوِّل النصَّ كما يشاء، أو يَقْرؤه على هواه، حتَّى ليقوِّله ما لم يقل، أو يُنطِقه بما لم يَنْطِق.



4- وعبارة الآمديِّ النقديَّة البليغة لا تُنكر ما يمكن أن يحمله النصُّ من دلالات متعدِّدة، أو توجيهات مختلفة، ولكنَّها - مرة أخرى - تجعل ذلك نابعًا من النصِّ ذاته بما فيه من إمكانات، وبما يفرزه من المعاني والأفكار، وليس بما يُحْمَل عليه حملاً، أو يُكْره عليه إكراهًا، استجابةً لسلطانِ زاعم أنَّ القارئ وحده هو الذي يمتلكه.



إنَّ الصيد في جوف النَّص، والقارئ يستخرجه، ولن يستطيع أن يستَخْرِجه - دائمًا - أيُّ قارئ، بل القارئُ الدَّرِبُ المتمرِّس، وبذلك نحترم طرفَيْن من أطراف معادلة العمَلِيَّة الأدبية، هما النصُّ والقارئ، ولا نَسْتهين بأحدهما أو نُسْقِطه؛ انحيازًا للطَّرَف الآخَر.



5- وأخيرًا: فإنَّ الاحتكام إلى النصِّ لا يعني تجريدَه - كما يفعل البنيويُّون - من كلِّ خارج: كالمجتمَع، أو التَّاريخ، أو السِّيرة، أو ما شاكلَ ذلك؛ لأنَّ هذا الخارج قد يكون في أحيانٍ غير قليلة جزءًا من الداخل، وقد تكون "معاني ألفاظه" التي يحيل عليها الآمديُّ محكومةً بهذا الخارج، بل آخذةً أبعادها الحقيقيَّة من خلاله، فقد يكون - وما أكثرَ الأمثلةَ على ذلك - هذا الخارجُ هو الذي شكَّلَها على هذا النَّحْو أو ذاك، فأصبح جزءًا من دلالتها.



وها هو الآمديُّ نَفْسه الذي يُحيل على سلطان النَّص، وما توجبه معاني ألفاظه، يُحيل في شعر أبي تمام نفسِه إلى هذا الخارج، ويُوضِّح أنَّ التقاط معاني الألفاظ قد لا يتَّضِح إلا بِمَعرفة هذا الخارج.



يورد الآمديُّ بيت أبي تمام:




تِسْعُونَ أَلْفًا كَآسَادِ الشَّرَى نَضِجَتْ كتابات  نقدية : د وليد قصاب Space
جُلُودُهُمْ قَبْلَ نُضْجِ التِّينِ وَالعِنَبِ كتابات  نقدية : د وليد قصاب Space


وهو بيتٌ عابَه بعض النُّقاد، ومنهم أبو العبَّاس، واستنكَروا إيراد هاتين الفاكهتَيْن، فيقول الآمديُّ مدافعًا عن البيت، مبيِّنًا ارتباطَ اللَّفظ المعيَّن بخارج معيَّن: "لهذا البيت خبَرٌ لو انتهى إلى أبي العبَّاس لما عابه"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].



ومن الواضح أنَّ هذا النقد التراثيَّ - وهو يتحدَّث عن هذه الظاهرة، فيشير إلى وجودها ويؤصِّل لها - لا يَغْفل عن أن يَضْبطها، فيضَعَ لها قواعد دقيقة؛ حتَّى لا تكون فوضى أو مشاعًا لكلِّ قارئ.



إنَّ للتأويل ضوابط، من أهَمِّها ضابطان:

1- احتماليَّة لغة النَّص لِمَا يُراد توجيه المعنى إليه.



2- العالِم الحصيف المميِّز.



إنَّ سلطان المؤوِّل، أو القارئ - إذًا - ليس عليه سلطانًا مطلقًا كما أشاع ذلك التفكيكيون، أصحابُ نقد ما بعدَ الحداثة اليوم، حتَّى تحول تأويل النُّصوص - حتَّى ما كان منها سماويًّا مقدَّسًا - إلى لعبة يُمارسها كلُّ قارئ بحجَّة ما سَمَّوه "سلطان القارئ" أو "نظرية التلَقِّي"، وما شاكلَ ذلك من المصطَلَحات البَرَّاقة.



إن النُّصوص الأدبيَّة العظيمة متَّسِعة الدلالة حقًّا، ولكن استخراج هذه الدلالات الكثيرة مشروطٌ بِجُملة من الشروط، من أهمها ما أشَرْنا إليه.



يقول الإمام الغزاليُّ - رحمه الله - في كتابه "فيصل التَّفرقة بين الإسلام والزَّندقة" ذاكرًا أبرزَ قواعد التَّأويل:

"معرفة ما يَقْبل التأويل وما لا يقبل التأويل ليس بالهَيِّن، بل لا يستقلُّ به إلاَّ الماهر الحاذق في علم اللُّغة، العارف بأصول اللُّغة، ثم بعادة العرب في الاستعمال: في استعاراتها، وتَجوُّزاتها، ومنهاجها في ضَرْب الأمثال"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].







[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] "جدليَّة الخفاء والتجلِّي": صـ244.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] "الوساطة": صـ374.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] "المثل السائر": 3/ 112.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] "العمدة": 2/ 93.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] "ديوان أبي تمام": 1/ 2.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] "الوسَاطة": 374.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] "العُمْدة": 2/ 84.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] "خزانة الأدب": 3/ 144.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] "الموازنة": 1/ 179 - 180.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] "أسرار البلاغة": 343.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] "النظام"، لابن المستوفي: 2/ 64.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] "فيصل التَّفْرقة بين الإسلام والزَّندقة": صـ199 (ط القاهرة، تحقيق سليمان دنيا).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wwpr.forummaroc.net
 
كتابات نقدية : د وليد قصاب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الدرك يحقق مع طالبة مسؤولة عن جثة وليد
» دراسة نقدية
» مقالة نقدية
» قراءة نقدية بعين عمر نفيسي لقصيدة ((من ضي لحروف)) للزجال نجيب أمين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الفردوس المفقود :: منتدى الثقافة والأدب :: النقد الأدبي-
انتقل الى: