منتديات الفردوس المفقود
عزيزي الزائر يشرفنا إنضمامك لأسرة المنتدي بالضغط علي كلمة التسجيل وإن كنت عضوا في المنتدي فبادر بالضغط علي كلمة دخول وأكتب أسمك وكلمة السر فنحن في إنتظارك لتنضم إلينا
منتديات الفردوس المفقود
عزيزي الزائر يشرفنا إنضمامك لأسرة المنتدي بالضغط علي كلمة التسجيل وإن كنت عضوا في المنتدي فبادر بالضغط علي كلمة دخول وأكتب أسمك وكلمة السر فنحن في إنتظارك لتنضم إلينا
منتديات الفردوس المفقود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الفردوس المفقود

منتدى للابداع والتربية والترفيه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول
أخي الزائر بعد تسجيلك بالمنتدى سيعمل مدير المنتدى على تنشيط عضويتك ..وشكرا
اهلا وسهلا بك يا زائر
فضائل القرآن الكريم . دور القرآن الكريم في ترقية الأمم  21_05_1213376309211
فضائل القرآن الكريم . دور القرآن الكريم في ترقية الأمم  052112130544nzhmb91h8rjfmgyu
الى كل أعضاء الفردوس المفقود وطاقم الاشراف والمراقبة والادارة المرجو ايلاء الردود عناية خاصة
مطلوب مشرفين لجميع الاقسام
Google 1+
Google 1+
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني




 

 فضائل القرآن الكريم . دور القرآن الكريم في ترقية الأمم

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
zahir brahim
عضو جديد



الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 91
نقاط : 187
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 22/11/2012
العمر : 45
الموقع : انتم في القلب
العمل/الترفيه : تاجر

فضائل القرآن الكريم . دور القرآن الكريم في ترقية الأمم  Empty
مُساهمةموضوع: فضائل القرآن الكريم . دور القرآن الكريم في ترقية الأمم    فضائل القرآن الكريم . دور القرآن الكريم في ترقية الأمم  Emptyالخميس ديسمبر 06, 2012 2:04 pm


فضائل القرآن الكريم . دور القرآن الكريم في ترقية الأمم .

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

القرآن ودوره في نهوض الأمة

الحمد لله الذي {نـزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أكرمه ربه ، فشرح صدره، ورفع ذكره، وحطَّ عنه وزره، وآنسه بخير كتبه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذه أوراق حُرّرت بهذه المناسبة التي تسر كل محب لكتاب الله تعالى ـ وهي افتتاح مشروع "مصحف قطر" ـ تدور حول موضوع جليل ، ألا وهو "دور القرآن في نهوض الأمة".
شاكراً لمن أتاحوا لي هذه الفرصة للمشاركة بهذه الورقة ، وراجياً من الله تعالى أن أكون قد وفقت لوضع النقاط على الحروف، مع يقيني بأن الموضوع يحتمل مجلدات لا عشرات الصفحات ؛ لأنه حديث عن كلام العظيم جل جلاله وتقدست أسماؤه، نعم هو حديث عن هذا القرآن الذي وصفه مُنـزلُه ـ بنحو من خمسين وصفاً ، فأنّى لبشر ـ مهما أوتي من البيان ـ أن يوفي هذا الكتاب حقّه، لكن لا بد من إشارة عابرة، وحديث هو بمثابة التذكرة، ، راجياً أن يكون في هذه الإشارة ما يغني عن طول العبارة.
والحمد لله رب العالمين ،،،
د.عمر بن عبدالله بن محمد المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
في 27/12/1430هـ
الموافق 14/12/2009م

* تمهيد *

لن يجد الباحث والقارئ عناءً كبيراً إذا أراد أن يبين أثر القرآن في نهوض الأمة، إذ يكفي ليدرك المنصف ـ أيّاً كان دينه ـ أن ينظر في أحوال العرب قبل نـزول هذا الوحي على قلب نبينا محمد ج ، ثم لينظر مرةً أخرى في أحوالهم بعد مضي أقل من ربع قرن فقط، وكم هو الفرق العظيم ما بين أداء الإتاوات من قبل سادات العرب إلى أكاسرة الفرس وقياصرة الروم = وبين موقف ربعي بن عامر من رستم حين دخل عليه مبيناً حقيقة دعوة أهل الإسلام، ولا عجب! فالقرآن هو الذي نفخ فيهم تلك الروح( )!
وكم هو الفرق بين تلك الأمة التي انتقلت من رعي الغنم إلى قيادة الأمم ، وما كان السبب إلا هذا القرآن بلا ريب ، فالصدر الأول من هذه الأمة "لم يكن صالحاً بالجبلة والطبع، فالرعيل الأول منهم ـ وهم الصحابة ـ كانوا في جاهلية جهلاء كبقية العرب، وإنما أصلحهم القرآن لما استمسكوا بعروته واهتدوا بهديه، ووقفوا عند حدوده، وحكموه في أنفسهم، وجعلوه ميزاناً لأهوائهم وميولهم، وأقاموا شعائره المزكية ، وشرائعه العادلة في أنفسهم ، وفيمن يليهم، كما أمر الله أن تقام ، فبذلك أصبحوا صالحين مصلحين، سادة في غير جبرية ، قادة في غير عنف"( ).
وفي المقابل ، فليتأمل المنصف حال الأمة حين هجرت هذا القرآن: تلاوةً ، وتدبراً ، وعملاً ، وتحاكماً، كيف انحدرت في مهاوي الذل، ودركات الهوان!
ولن يجد الإنسان صعوبة في البرهنة على ذلك، بل يكفي أن يحيل إلى واقع العالم الإسلامي اليوم: اجتماعياً ، وثقافياً، وسياسياً، وعسكرياً ، ليرى نتاج بعدها عن مصدر عزها الذي نص القرآن عليه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف : 44].
وإذا كان الفاروق س يقول: إنما تنقض عرى الإسلام عروةً عروةً إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية( )، فإن الأمر كذلك إذا نشأ في الأمة من لم يعرف معنى العزة والكرامة، ولم يذقها يوماً من دهره! ولم يعش إلا حالة الذل والهوان، فكيف سيدرك أثر القرآن في إعادة ما فقدته الأمة من العزة والكرامة؟!
ومن هنا ، كان لزاماً على أهل الإسلام أن يسعوا إلى بيان أثر هذا الموضوع بشتى أنواع البيان : القولي والعملي، وما يندرج تحت هذا من الوسائل صور لا تكاد تحصى.
ولعل هذه الورقة تساهم في التنبيه على بعض هذه الوسائل في بيان أثر القرآن في نهوضِ الأمة، من التركيز على بيان الوسائل والطرق التي يتمكن بها المسلمون ـ إذا أرادوا ـ من النهوض بالأمة انطلاقاً من بوابة العز والشرف الأولى ـ القرآن ـ : {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف : 44] "وإنها لتبعة ضخمة تسأل عنها الأمة التي اختارها الله لدينه، واختارها لقيادة القافلة البشرية الشاردة، إذا هي تخلت عن الأمانة: {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}"( ).
سورة الضحى .. بداية الطريق
مئات الملايين من المسلمين يحفظون سورة الضحى ، ولكن كم هم الذين استوقفتهم هذه الآية : {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى : 7]؟! وأحسن ما تفسر به الضلالة هنا هو ما قاله الله تعالى في سورة الشورى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى : 52].
وقبل أن نتملى شيئاً من معاني هذه الآية الكريمة، فلنعد قليلاً إلى ما قبل النبوة، ولننظر في سيرته ج!
لقد عرف صبيان المسلمين ـ الذين درسوا مبادئ السيرة النبوية ـ أنه ج كان يعرف بين قومه وعشيرته بالصادق الأمين، وعرفه قومه بأحسن الخلال ، وأطيب الخصال مع شرف النسب، وطيب الأرومة، عرفوه كما يعرف الناس أبناء قريتهم الصغيرة، التي تُعْرَفُ فيها أحوال النساء فضلاً عن أحوال الرجال، وكان هذا أحد الأدلة الدامغة التي احتج الله بها على الكفار الذين كذبوا دعوته: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} [يونس : 16] ، {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [المؤمنون : 69].
هذا النقاء والصفاء ، وتلك الروعة والتألق في حياته ج لم تكن شيئاً يذكر بالنسبة إلى حياته بعد نـزول الوحي، وأين الثرى من الثريا؟ ولستُ أجد أبلغ ولا أصدق من تعبير القرآن: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}!
بل تأمل حاله ج حين انقطع الوحي عنه فترة من الزمن، جعلت ألسنة أعدائه تتفوه بما تفوّهت به؛ فضاق لذلك صدره ، وحزن لانقطاع الوحي الذي ذاق لذته، واستشعر عظيم أثره عليهّ! فمن الناس بعده ج ؟!
إذا تبيّن هذا ، فإن فهم هذا المعنى الذي أشارت إليه هذه الآية العظيمة، وألمحت إليه، لمن أبلغ ما يوضح خطورة البعد عن هذا المصدر، إذ إن هذا يعني: الجهل ، والضلال، والعمى ، والحيرة ، والبؤس!
فمن لم يتضح له هذا المعنى ، فليقرأ إذاً: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام : 122]!
وليقرأ : {الر كِتَابٌ أَنـزلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم : 1]! والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً.
إن من المؤلم أن يسمع الإنسان ـ من بعض المنتسبين إلى هذه الأمة ـ من يزهّد في نصوص الوحي ـ قرآناً وسنة ـ بل ويصرح بعضهم بكلماتٍ خطيرة الدلالة والمآل تدور على أن زمنية الوحي، وأن صلاحيته محدودة بزمن معين، أو ظرف معين، بل ـ وهذا هو الكفر الصراح ـ من يرى أن سبب تخلف الأمة هو تمسكها بهذا القرآن، فأنى لهؤلاء أن يستضيئوا بنور الوحي؟!
ويزداد الألم ممزوجاً بالفرح حينما يسمع ـ في مقابل هؤلاء ـ من مفكرين مستقلين من الغرب والشرق ممن أسلموا بسبب قناعتهم بصدق ما جاء به هذا القرآن! ( )
يقول المفكر الفرنسي فنساي مونتاي( ) : "إن مثل الفكر العربي الإسلامي المبعد عن تأثير القرآن ، كمثل رجلٍ أُفرغَ من دمه!"( )، ونصوص مفكري الغرب في هذا الباب أكثر من أن تحصر!


تثبيت الأصل .. {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى}

إن من أهم المهمات ـ لمن أراد أن يتحدث عن مثل هذا الموضوع ـ أن لا يخلو حديثه من التركيز على قدسية النص القرآني، وشموله ـ مع السنة ـ لحل جميع مشاكل البشرية ـ عَلِمَ ذلك من علمه، وجهله من جهله ـ ؛ ذلك أن ثمة كتابات يروّج لها ويراد منها سلخ القدسية من هذا الكتاب المقدس!
وليس هؤلاء ببدع من الناس ، فقد سبقهم طوائف في تاريخ الأمة تنادت لهدم هذا الأصل العظيم ـ الذي لا قوام للأمة بدونه ـ بأساليب شتى( )!
قد يبدو هذا التنبيه غريبا! لكن من عاش مع طوائف من شباب الأمة الذين انفتحوا انفتاحاً غير منضبط على جميع الكتب الفكرية بلا قيد أو شرط، رغم صغر سنهم ، وحداثة تجربتهم، وضعف تحصيلهم الشرعي ، ورأى الأثر السيئ لهذه الكتب والأطروحات= أدرك يقيناً خطورة الواقع، وضرورة الحديث عن هذه المسألة المهمة بطرق متنوعة، خصوصاً أن هذا الضرب من الناس، يجدون من يحتضنهم ويرعاهم، بل ويرمّزهم ـ رغم صغر سنهم ـ وتفتح لهم من النوافذ الإعلامية التي يسوّقون فيها ما يريدونه أو يعتقدونه من أفكار، ما لا يتهيأ لأكابر أهل العلم.
صحيح أن خطاباً كهذا قد يوجّه لعموم المسلمين ـ الذين يقدسون القرآن ـ لكن ما المانع من التحصين قبل المرض؟! فالانفتاح التقني يجعل الإنسان عرضةً لهذه الأهواء والأدواء، وإذا كان الإنسان مُرغباً ـ شرعاً ـ في أكل سبع تمرات على الريق من أجل توقي داء الجسد قبل وقوعه( )، فإن تحصينه من داء القلب والفكر أكثر ضرورة وحتمية، إذْ لا يمكن لأي متحدث عن القرآن وأثره في نهضة الأمة، أن يجد أثراً لحديثه عند أناس لا هيبة للقرآن في نفوسهم، ولا قداسة للنص في قلوبهم، ولن ينجع أي حديث حتى يكون المخاطبون على درجة كبيرة من اليقين بمثل قوله تعالى: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف : 111]، وبمثل قوله ﻷ : {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[يونس : 37].
ولعل من أنفع الطرق في هذا: تأمل الآيات الكريمة التي وصف فيها أعداء القرآنِ القرآنَ بأنه سحر ونحو ذلك من العبارات الفجّة التي تنضح كذباً وزوراً، مع دراسة مواقفهم العملية في السيرة، وكيف كشف القرآن حقيقة ما تنطوي عليه نفوسهم: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر : 35] ، {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر : 56] ، {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام : 33] وغيرها من الآيات الكريمة.

شمولية الحل .. {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}

إنها قاعدة عظيمة من أعظم قواعد التغيير بالقرآن ، فهي تجعل المؤمن يزداد يقيناً بعظمة هذا القرآن، وأنه الكتاب الوحيد الذي يصلح لكل زمان ومكان ، وبهذا اليقين وتلك القناعة ينطلق لتغيير ما فسد من واقع الناس!
قال قتادة : ـ مبيناً معنى هذه الآية والقاعدة القرآنية ـ : "إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم: فأما دائكم فالذنوب والخطايا ، وأما دواؤكم فالاستغفار"( ).
وهذا التفسير من هذا الإمام الجليل هو تفسير بالمثال ـ كما هو الغالب على تفاسير السلف رحمهم الله ـ وفيه رسالة واضحة إلى شموله إلى علاج جميع الأدواء، وأن فيه جميع الأدوية، لكن يبقى الشأن في الباحثين عن تلك الأدوية في هذا القرآن العظيم.
"إنه يهدي للتي هي أقوم في ضبط التوازن بين ظاهر الإنسان وباطنه ، وبين مشاعره وسلوكه ، وبين عقيدته وعمله ..
ويهدي للتي هي أقوم في عالم العبادة بالموازنة بين التكاليف والطاقة، فلا تشق التكاليف على النفس حتى تمل وتيأس من الوفاء، ولا تسهل وتترخص حتى تشيع في النفس الرخاوة والاستهتار، ولا تتجاوز القصد والاعتدال وحدود الاحتمال.
ويهدي للتي هي أقوم في علاقات الناس بعضهم ببعض : أفراداً وأزواجاً ، وحكومات وشعوباً ، ودولاً وأجناساً ، ويقيم هذه العلاقات على الأسس الوطيدة الثابتة التي لا تتأثر بالرأي والهوى؛ ولا تميل مع المودة والشنآن؛ ولا تصرفها المصالح والأغراض ..
ويهدي للتي هي أقوم في تبني الديانات السماوية جميعها والربط بينها كلها ، وتعظيم مقدساتها وصيانة حرماتها، فإذا البشرية كلها بجميع عقائدها السماوية في سلام ووئام"( ).
ومن أراد أن يقف على شيء من محاولات العلماء ـ رحمهم الله ـ في الوقوف على شيء من ذلك، فليقرأ ما كتبه العلامة الشنقيطي : في تفسيره لهذه الآية الكريمة، فقد كتب : نحواً من ستين صفحة وهو يتحدث عن نماذج عالجها القرآن، وهدى لأقوم الطرق في حلها.
يقول : "وهذه الآية الكريمة أجمل الله ـ جل وعلا ـ فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق، وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم؛ لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة، ولكننا ـ إن شاء الله تعالى ـ سنذكر جملاً وافرة في جهات مختلفة كثيرة من هدي القرآن للطريق التي هي أقوم ؛ بياناً لبعض ما أشارت إليه الآية الكريمة، تنبيها ببعضه على كله من المسائل العظام، والمسائل التي أنكرها الملحدون من الكفار، وطعنوا بسببها في دين الإسلام، لقصور إدراكهم عن معرفة حكمها البالغة، ..." ( ) ثم سرد ـ رحمه الله ـ جملة من المسائل العقدية والاجتماعية.
ونحن إذا تأملنا هذا الإطلاق في هذه القاعدة : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} أدركنا أنها آية تتجاوز في هدايتها حدود الزمان والمكان .. وتتجاوز كل الأنظمة والقوانين التي كانت قائمة والتي ستقوم بعد ذلك!
إنها قاعدة تقطع الطريق على جميع المنهزمين والمتخاذلين من أهل الإسلام أو المنتسبين له، أو من الزنادقة ، الذين يظنون ـ لجهلهم ـ أن هذا القرآن إنما هو كتاب رقائق ومواعظ، ويعالج قضايا محدودة من الأحكام! أما القضايا الكبرى، كقضايا السياسة، والعلاقات الدولية، ونحوها، فإن القرآن ليس فيه ما يشفي في علاج هذه القضايا!!
وهذا الكلام فضلاً عن كونه خطيراً وقد يؤدي إلى الكفر ، فإنه سوء أدب مع الله، ذلك أن ربنا ـ وهو العليم الخبير ـ يعلم حين أنـزل القرآن أن العباد سيقبلون على متغيرات كثيرة، وانفتاح ، وعلاقات، ومستجدات، فلم يتركهم هملاً، بل حفظ لهم هذا القرآن ليرجعو إلى هداياته، وحفظ لهم سنة نبيه ج لتكون شارحةً لما أجمل من قواعد القرآن، بل وجعل في السنة أحكاماً مستقلة، فمن أراد الهداية وجدها فيهما، ومن كان في عينيه عشى، أو في قلبه عمى، فليتهم نفسه، ولا يرمين نصوص الوحي بالنقص والقصور:
قد تنكرُ العينُ ضوء الشمسِ من رَمَدٍ *** ويُنْكِرُ الفَمُ طَعْمَ الماء منْ سَقَم
ومن المواقف التي لا أنساها ـ وأنا أتحدث عن هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ـ أن أحد العلماء لما طُلِبَ منه أن يلقي محاضرة حول هداية هذه القاعدة: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} قال في نفسه: وماذا سأقول عن هذه الآية في ساعة أو أكثر؟! فقررت أن أراجع كلام بعض المفسرين حولها، فبدأت بتفسير السعدي، فوجدته يقول: "يخبر تعالى عن شرف القرآن وجلالته وأنه {يهدي للتي هي أقوم} أي: أعدل وأعلى من العقائد، والأعمال، والأخلاق"( )، فقررتُ أن أبدأ بالحديث عن هداية القرآن للتي هي أقوم في أبواب العقائد، فانتهى وقت المحاضرة ولم أنته من الحديث عن هذه الجزئية فقط! فكيف بمن أراد الحديث عن هداية القرآن للتي هي أقوم في أبواب العبادات؟ والمعاملات؟ والأحوال الشخصية؟ والحدود؟ والأخلاق والسلوك؟ فعلمت أن من يريد الحديث عن هذه القاعدة، فسيحتاج إلى عشرات المحاضرات.
إنه كتاب ربنا ، الذي يخبرنا فيه أنه يهدي للتي هي أقوم، فأين الباحثون عن هداياته؟ وأين الواردون حياضه؟ وأين الناهلون من معينه؟ وأين المهتدون بتوجيهاته؟.
إن الإجابة عن هذه الأسئلة كفيلة بأن يقتنع العالم ـ وليس المسلمون فحسب ـ أن القرآن يهدي للتي هي أقوم ، وتزداد هذه القناعة حين يوجد أناس يحملون هذا القرآن في صدورهم ، ويطبقونه واقعاً في حياتهم.
إنني كلما مرّ بي أثر التجار العرب الذي ذهبوا إلى شرق الأرض، وكان تأثيرهم كبيراً في نشر الإسلام يجعلني أتساءل: هذا أثرهم وهم تجار ، وجد الناس منهم الصدق والعفّة، فماذا سيكون الأثر لو كان جميع المسلمين تجاراً بأخلاقهم وسلوكهم في أنحاء الأرض؟!
لقد كان من أعظم أسباب التأثير الذي أحدثه النبي ج في واقع الناس هو الصفاء والنقاء الخُلُقي العظيم الذي كان يمارسه في حياته وتعاملاته، والتي جعلت هرقل يقول بعفوية: "ما كان هذا الرجل ليدع الكذب على الناس ثم هو يكذب على الله!".


لا للضعف .. {خذ الكتاب بقوّة}

هذه الآية الكريمة ترشد إلى منهج قرآني للأمة إن أرادت النهوض من كبوتها، والرقي في مدارج العز والكرامة، فإن القرآن بحروفه ما زال ولن يزال محفوظاً ـ بحفظ الله له ـ إلى يوم الدين، وما أُتِيَ المسلمون إلا من قبل ضعف أخذهم له بقوّة، تليق بقوة وعلو مصدره، وقوة بيانه وبلاغته، وقوة منهجه.
إن الحديث عن الأخذ بقوة لكتب الله ورسالاته يتكرر في مواضع عدّة من القرآن.
ومن تأمل القرآن وجد حفاوة ظاهرة بهذه القضية، خصوصاً في قصة موسى مع قومه، في سياقات مدهشة؛ لترسل لهذه الأمة رسالة واضحة الدلالة ، في أنه لن تكون للأمة عودة صحيحة ، وتمكين في الأرض إلا إذا كانت عودتها إلى كتاب ربها قوية.
لنتأمل هذه الآيات الكريمة التي خاطبت أتباع موسى عليه الصلاة والسلام : {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : 63]، {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا} [البقرة : 93]، {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [الأعراف : 171]، وفي خطاب الله تعالى لنبيه وكليمه موسى عليه الصلاة والسلام يقول ﻷ : {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ( ) وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف : 145]، كما يأمر نبيه يحيى عليه الصلاة السلام، فيقول: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[مريم : 12].
وفي مقابل هذا نجد الذم الصريح لعلماء أهل الكتاب، ومن سار في دربهم من محرفة النصوص، ومتبعي الشهوات ، الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضه الآخر ، أو أخذوا ما يشتهون وتركوا ما لا يوافق أهواءه، في خطاب مليء بالذم والقدح ، ولا غرو! فإذا كان هذا حال الصفوة ، ومن يسمون بالنخب ، فمن دونهم رجعُ صدى لتحريفهم وانحرافهم.
ففي آية واحدة لا تتجاوز سطراً واحداً، يجد القارئ لها بيان السبب ، والعقوبة، والأثر: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة : 13] ألا ما أوضحها من آيات تبين الداء والدواء لمن بحث طالباً للهدى!
ويقول تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ، وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأعراف : 169].
وهذه الآية ـ كما تضمنت النعي على هؤلاء ـ فهي تشير إلى سبب من أهم أسباب انحرافهم وضلالهم، ألا وهو الانكباب على الدنيا، فلما ضعفت صلتهم بالآخرة، ضعفت قوة أخذهم بالكتاب، وأبى الله أن يجمع في قلوب أوليائه وحملة رسالاته بين الانكباب على الدنيا، وبين فهم الرسالات والقيام بها على الوجه المرضي: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب : 39]، ويوضح ذلك قوله ـ : {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران : 77].
إن من أعظم أسباب الخلل في أخذ الكتاب بقوة: ضعفُ أخذ الذين أوتوا نصيباً من علم الكتابِ كتابَ الله بقوة، وهذا يعني أن المشكلة تحتاج إلى علاج قوي يتناسب وعمقها: إما بتصحيح حال من كان حاله كذلك من أهل العلم، أو ـ وهو الأهم ـ أن يُعْتَنى بتربية ناشئة طلاب العلم اليوم ـ الذين هم علماء الغد ـ على هذه المعاني الكبار ، وربطهم بكتاب الله تعالى على الوجه الصحيح: تلاوةً، وحفظاً، وتدبراً.
وفي كلمات السلف الصالح ـ رحمهم الله ـ ما يدل على إدراكهم لخطورة مثل هذه المشكلة، فهذا سفيان الثوري يقول: العالم طبيب الدين، والدراهم داء الدين، فإذا جذب الطبيب الداء إلى نفسه فمتى يداوي غيره؟!( ).
وقال بعض العلماء: ينبغي للعالم أن يحمد الله على ما زوى عنه من شهوات الدنيا كما يحمده على ما أعطاه، وأين يقع ما أعطاه الله والحساب يأتي عليه إلى ما عافاه الله، ولم يبتله به فيشغل قلبه ويتعب جوارحه؟ فيشكر الله على سكون قلبه وجمع همه( ).
يا علماء الدينِ يا مِلْحَ البَلَدِ *** مَنْ يُصلح الملحَ إذَا المِلْحُ فَسَد
ومن تأمل في المواقف الإيجابية لأكابر العلماء ـ في عصور مختلفة ـ من الانحرافات التي تظهر في صور شتى، أدرك عظيم أثر العلماء إن صلحوا ،وأخذوا الكتاب بقوة، كما سيدرك أثرهم السيئ إذا هم ركنوا إلى الضعف والهوان، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج : 18].
وكلُّ حديث عن أثر القدوة سلباً وإيجاباً ، فإن من أعظم تطبيقاته التي تُشاهد بل وتقرأ في التاريخ: هي حياة العلماء ، الذين إنْ هم أخذوا هذا الكتاب بقوة صاروا أئمةً ليس لمن يشاهدهم فحسب، بل لمن يقرأ سيرهم وتراجمهم في كتب التاريخ، وإن هم تركوه، ونبذوه وراءهم ظهرياً فقد نـزلوا من علياء مكانتهم ـ ورثة للأنبياء ـ إلى أخس المنازل: {كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف : 176] ، {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة : 5].
ولقد عبر العلامة البشير الإبراهيمي عن هذه المعضلة ، بكلمات هي نفثة مصدور ، وشكوى مكروب ، ولوعة محزون ، أشار فيها إلى وصف هذا الداء بكلام العالم المكتوي بهذه المصيبة، حيث يقول :
"وما زاد المسلمين ضلالاً عن منبع الهداية وعماية عنها، إلا فريق من العلماء وضعوا أنفسهم موضع القدوة والتعليم ، وطوائف من غلاة المتصوفة ، انتحلوا وظيفة التربية والتقريب من الله، فهم الذين أبعدوهم عن القرآن، وأضلّوهم عن سبيله بما زينوا لهم من اتباع غير سبيله ، وبما أوهموهم أنه عالٍ على الأفهام ، وما دروا بأن من لازم هذا المذهب كفرٌ ، وهو أنه إذا كان لا يفهم فإنـزاله عبث، وأنى يكون هذا ؟! ومُنـزلُه ـ تعالت أسماؤه ـ يصفه بأنه عربي مبين ، وأنه غير ذي عوج ، وأنه ميسر للذكر ، وينعته بأنه يهدي للتي هي أقوم، وكيف يهدي إذا كان لا يفهم؟.
ومن عجيب أمر هؤلاء وهؤلاء أنهم يصدرون في شأن القرآن عن هوى لا عن بصيرة ، فبينما يسدّون على الناس باب الاهتداء به في الأخلاق التي تزكي النفس ، والعقائد التي تقوي الإرادات ، والعبادات التي تغذي الإيمان ، والأحكام التي تحفظ الحقوق ، وكل هذا داخل في عالم التكليف ، وكله من عالم الشهادة ، بينما يصدون عن الاهتداء في ذلك بالقرآن ، نراهم يتعلقون بالجوانب الغيبية منه ، وهي التي استأثر الله بعلمها ، فيخوضون في الروح والملائكة والجن وما بعد الموت ، ويتوسّعون في الحديث عن الجنة والنار ، حتى ليكادون يضعون لها خرائط مجسّمة ، وسبيل المؤمن القرآني العاقل في هذه الغيبيات أن يؤمن بها كما وردت ، وأن يكل علم حقيقتها إلى الله ، ليتفرغ لعالم الشهادة الذي هو عالم التكليف"( ) انتهى.


بداية التصحيح .. {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}

مع عظيم الثواب المترتب على قراءة القرآن، إلا أن الله تعالى ـ الذي نـزل الكتاب ـ لم يجعل ذلك من مقاصد تنـزيله، بل نص ـ على مقاصد التنـزيل في قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنـزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص : 29] ، ونعى على أهل الكتاب اقتصارهم على مجرد التلاوة فقال: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}[البقرة : 78] ، ونادى سبحانه جميع الطوائف لتحقيق هذه الغاية من التنـزيل؛ لأنها الباب المشرع، والطريق الأقوى في الوصول إلى الحقيقة، وتثبيت الإيمان، وزوال الشُبَهِ، ورفع الريب، واكتساب العلوم، فنادى المنافقين في موضعين من كتابه ـ في سياق بيان فضائحهم ـ وأن ما اتصفوا به لا علاج له إلا بالإقبال على هذا القرآن تلاوةً وتدبراً، فقال ـ : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء : 82] ، وقال ﻷ : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد : 24].
كما أن القرآن أمر المشركين ـ الذين كذبوا وعاندوا ـ بالتدبر؛ لتتضح لهم حقيقة الرسول والرسالة، فقال ﻷ : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون : 68].
فإذا كان هذا يطلب ممن لا إيمان لهم ، فكيف بمن معهم أصل الإيمان؟!
لقد تتبعتُ ـ منذ سنوات طويلة ـ سببَ الذل والهوان الذي أصاب هذه الأمة وتأملتُ في كثرةِ الحلول المطروحة ، فضلاً عن تلك الحلول التي جربتها الأمة عبر قرون طويلة ـ مع وجود كتاب الله بحروفه بين يديها ـ وكنت كثيراً ما أتمثل بقول شوقي:
بِأَيمانِهِمْ نورانِ ذِكرٌ وَسُنَّةٌ *** فَما بالُهُمْ في حالِكِ الظُلُماتِ؟!
إن البحث عن الإجابة على هذا السؤال الكبير تعني بداية التصحيح! والشعور بالمشكلة هو بداية الحل!
وأرى أن من أصح الإجابات، وأوضحها، وأقصرها أن نتأمل جيداً ـ ما سبقت الإشارة إليه في أول هذه الورقة ـ كيف كان الصحابة ش قبل الوحي؟ وكيف كانوا بعده؟ ثم كيف دبّ الضعف في هذه الأمة بداية من أواخر قرن الصحابة ش إلى يومنا هذا؟!
لقد أدرك علماء الطبقة الثانية من جيل الصحابة ش كابن عمر ، وجندب بن عبدالله البجلي ، وابن عباس ، وغيرهم من أهل تلك الطبقة ـ الذين عاشوا وشاركوا زمن الفتوحات التي دخل معها مئات الآلاف من العرب والعجم في دين الله ـ أدركوا بدايةَ الخلل، فصدرت عنهم الكلمات التي تؤكد ضرورة العناية بالتدبر، بل وخطورة الاقتصار على مجرد التلاوة!
فهذا ابن عمر ب (ت 73هـ) يقول: لقد عشنا برهة من دهرنا، وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنـزل السورة على محمد ج فيتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلمون أنتم القرآن، ثم قال: لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره! ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، ينثره نثر الدقل"( ).
ويقول جندب بن عبدالله س (مات بعد 60هـ): كنا مع النبي ج ـ ونحن فتيان حزاورة( ) ـ فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، فازددنا به إيماناً( ).
ثم يأتي الحسن البصري : (ت 110هـ) بعد أن رأى اتساع الهوّة ، فحُفِظَتْ عنه كلمات كثيرات جداً، كلها تدور حول هذا المعنى، وذمِّ التعلق بمجرد التلاوة، ومن أجمل ما حفظ عنه، كلمته المشهورة: "إن هذا القرآن قرأه عبيد وصبيان لم يأخذوه من أوله، ولا علم لهم بتأويله، إن أحق الناس بهذا القرآن مَنْ رُئِيَ في عمله، قال الله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنـزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص : 29] ، وإنما تَدُّبُرُ آياته إتباعه بعمله ، يقول أحدهم لصاحبه: تعال أقارئك ، والله ما كانت القراء تفعل هذا ! والله ما هم بالقراء ، ولا الوَرَعَة ، لا كثر الله في الناس أمثالهم ، لا كثر الله في الناس أمثالهم"( ).
وليس من قصدي هنا تتبع الآثار في هذا الباب ، فهي كثيرة ومشهورة، بل أردتُ أن ألفت النظر إلى أن الخلل في التعامل مع كتاب الله بدأت بواكيره في زمن متقدم، وأن الصحابة والتابعين نبّهوا إلى هذا الخلل، وحذروا منه، ليقينهم بأن آثار هذا ستظهر على السلوك والمعاملة ، وهل الأمة إلا جماعات ؟ وهل الجماعات إلا أفراد؟.
ولعمر الله ! لقد كان وصفهم دقيقاً ، وتشخصيهم للمشكلة وحلها عميقاً!
والشأن ـ هنا ـ في البحث عن علاج لهذه المشكلة الكبيرة ، والاستفادةِ من الإمكانات المتاحة للمسلمين اليوم.
ولعلي أشير ـ في ختام هذه الورقة ـ إلى جملة من الوسائل التي تعين على حل هذه المعضلة، على سبيل الإيجاز، فالورقة لا تحتمل التفصيل:
1 ـ تكثيف التوعية بهذه الشعيرة العظيمة ـ شعيرة التدبر ـ وأنها فريضة لا فضيلة!
ووسائل التفعيل كثيرة جداً ، منها:
تصنيف الكتب بلغة تناسب أهل العصر، وفي الساحة جهود مشكورة ، ولا زال الباب مُشْرَعَاً، ولئن كان المفسرون ما زالوا إلى عصرنا ـ ولن يزالوا إلى أن يرث الله وما عليها ـ يجدون في كتاب الله تعالى من المعاني المتجددة التي تعالج واقعهم ، فكيف بموضوع التدبر الذي لم يفرد بالتصنيف كما أفردت كتب التفاسير؟! مع أن بابه أوسع من باب التفسير.
تَرْجَمَةُ تلك الكتب إلى لغات المسلمين وغير المسلمين الحيّة؛ لتصل هذه الرسالة إلى مستوى العالمية التي هي حقيقة رسالة القرآن.
الاستفادة من القنوات الفضائية في طرح البرامج التي تعتني بهذا الأمر.
الاستفادة من الخدمات التي تقدم بواسطة الاتصالات، كالرسائل النصية والصوتية.
إنشاء مواقع تليق بهذه العبادة العظيمة على الشبكة العالمية (الإنترنت).
إقامة منتديات وملتقيات ومؤتمرات علمية تتنادى للبحث في هذا الموضوع من قبل المختصين ، والمهتمين بهذا الموضوع من أهل العلم.
وأجد من المناسب أن أشيد بتجربة رائدة، قام بها مركز تدبر القرآن الكريم في الرياض من خلال تفعيل الوسائل السابقة جميعاً( ) ؛ لترسيخ هذا المعنى الشرعي ، والموضوع يحتاج إلى عدة مراكز ، بل وهيئات عالمية تليق بعالمية القرآن( )، وعالمية هذا الخطاب الإلهي الذي وجّه الخطاب إلى الناس في أكثر من عشرين موضعاً.
2 ـ البدء بتفعيل هذه الفريضة داخل البيوت ، فهي ـ فيما أرى ـ أولى الخطوات العملية ، انطلاقاً من قوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب : 34].
ومن البدهي أن يكون الوالدان أو أحدهما مهتماً بهذا الأمر ، وحريصاً عليه ، ففاقد الشيء لا يعطيه( ).
3 ـ تربيةُ الأجيال التي ارتبطت بحلق تحفيظ القرآن الكريم أو مدارس تحفيظ القرآن على هذه الفريضة ، وهذا يعني السعي في إنشاء أجيال من المعلمين الذين يحملون هذا الهمّ ، ويفعّلون هذا المعنى واقعاً في تدريسهم ، وأخلاقهم ، وسلوكهم ، وكم للمعلم من أثر؟!
وإذا كان من المفرح للنفس أن يرى الإنسانُ عشرات الآلاف من مدارس وحلق تحفيظ القرآن الكريم في طول العالم الإسلامي وعرضه ، فإن من المحزن أن لا يسمع عن مدارس أو حلق تعتني بتدبر القرآن!
وبعد .. فهذا ما تيسر ذكره في هذه الورقة ، وأنا موقن بأن الموضوع كبيرٌ جداً، ويحتاج إلى عشرات الكتب، لكن هي إشارات آمل أن تكون مفتاحاً للكتابة المحررة والموسّعة في هذا الموضوع.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل القرآن ـ الذين هم أهله وخاصته ـ العالمين بمعانيه، العاملين به، والدعاة إلى منهجه، والحمد لله رب العالمين.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
خادم المنتدى
الادارة والتواصل
الادارة والتواصل
خادم المنتدى


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 5804
نقاط : 8802
السٌّمعَة : 159
تاريخ التسجيل : 11/05/2012
الموقع : منتدى الفردوس المفقود
العمل/الترفيه : أستاذ/الأنترنيت/ القراءة

فضائل القرآن الكريم . دور القرآن الكريم في ترقية الأمم  Empty
مُساهمةموضوع: رد: فضائل القرآن الكريم . دور القرآن الكريم في ترقية الأمم    فضائل القرآن الكريم . دور القرآن الكريم في ترقية الأمم  Emptyالأحد فبراير 17, 2013 1:02 pm

شكرا جزيلا لك على هذا الانتقاء
************************************
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wwpr.forummaroc.net/
 
فضائل القرآن الكريم . دور القرآن الكريم في ترقية الأمم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  فضل القرآن الكريم
» الأمثال في القرآن الكريم:
»  هل تعلم ان - حول القرآن الكريم
» القرآن الكريم:تعريف بالسورة-سبب تسمية السورة- محور السورة- فضل السورة
» القرآن الكريم:تعريف بالسورة-سبب تسمية السورة- محور السورة- فضل السورة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الفردوس المفقود :: المنتدى الإسلامي :: منتدى الإسلاميات العامة-
انتقل الى: