النص المسرحي الفائز بالمركز الثالث في جائزة النور للإبداع 107

النص المسرحي الفائز بالمركز الثالث في جائزة
النور للإبداع

دورة الدكتورة آمال كاشف الغطاء

المواطن 107

نوفل الفضل

مونو دراما

الشخصيات – المعتقل

المكان – في سجون الاحتلال

دائرة من الضوء تبدأ بالاتساع تدريجيا
وتتحرك ببطء حتى تستقر فوق قفص حديدي فيه
معتقل يرتدي بدله برتقالية مكتوب عليها بالصبغ الأبيض ( 107) .

يجلس القرفصاء ..

يبدأ بتمتمة غير مفهومة ثم بعدها
كلمات تبدو أكثر وضوحاً ويسترسل قائلاً وهو ينهض:

107

107

107

هذا ما أهداه لي الاحتلال حولني من
إنسان ذي قيمة ومكانه وعائلة وعشيرة انتمي إليها إلى رقم !

مجرد كتلة

107

بلا اسم

107

بلا ملامح

107

بلا تهمة !

(محاورا نفسه ) كلا كلا تهمتك كبيرة
.. كيف لك أن تسال هذا السؤال الغبي ؟ لو إنك لم تكن متهما ماجيء بك الى هنا ..
وما رموا بك مثل كيس طحين في قبو بلا هواء ولا ضوء لكي تتعفن مع أحلامك وادعاءاتك
التي أفنيت عمرك بها ؟

تهمتيك بل جريمتك معروفة للجميع فكيف
تتصور إن هؤلاء المدججون بالتكنولوجيا والتقدم الحضاري يجهلونها ؟

(مؤنبا نفسه بصوت عال )

-
الم تنادي وسط
الطوفان الزموا أحلامكم ولا تفرطوا بالشمس لكي لا تضيعوا في قعر الظلمة ؟

من
حقهم إذن أن يطعموك هذا الظلام الدسم ..

وان
يرموك أنت وأحلامك المتعفنة في هذا القعر الذي لاتعرف الشمس الدرب إليه ..

آه
الشمس .. ( يدور حول نفسه ) أين هي الشمس .. لم أتذوق طعمها منذ أن رموا بي هنا ..
منذ أن صيرني المحتل من إنسان إلى رقم ..

إنها
لعنة الظلام أم تراها لعنة الشمس ؟ كنت أشكو حرارتها .. وهاهي تسلمني ببرود أعصاب
الى الظلام ..

(يرفع
رأسه الى الأعلى) اغفري لي أيتها الشمس النائية كأحلامي .. اغفري لي فلن أشكو ذلك
الحر بعد اليوم ..

أعيديني
لمملكتك من جديد وسترين كيف سأكون مواطنا صالحا .. (يخاطب الجمهور ) سأقود ثورة ضد
من يلعنك .. وضد من يجرؤ أن يحلم تحت أنظارك .. سأكف عن اللعنات .. بل سأكف عن
الكلام هكذا سألصق فمي (يلصق فمه بيديه ) لن أتحدث إلا همسا (يهمس) لكي لا ينصت
الهواء لهراء الثورات ..

الثورات
.. كم هي سخيفة هذه الكلمة (يضحك بطريقة هستيرية )

الثواراااااااااات
....(يسقط على الأرض )

(صمت
قصير بعدها ينهض مستدركا مخاطبا نفسه )

-
انهض .. فقد يأتون
ليأخذوك للتحقيق في أية لحظة .. لقد خرج الجميع الا أنت ..!

سيسألونك
عن تهمتك وعليك أن تحضّر تهمة .. أن تلفّق لنفسك جريمة محكمة مادمت لاتتذكر ! فجرائم أحلامك كثيرة .. طالما كنت تحرض على
الحياة ضد الموت (مؤنبا نفسه ) أيها الغبي ! الم تكن تعرف أن من يفكر بهذه الطريقة
الشاذة في بلد يذبح كل يوم يكون عقابه هذه الحفرة ؟

(كأنه
يجيب نفسه بصوت خائف ) كلا ياسيدي لم أكن اعرف .. اعذرني اعني اغفر لي فأنا جاهل ؟

(يسترد
ذلك الصوت ) – كيف تدعي الجهل وأنت تدرّس المئات من الطلبة وتحرضهم كل يوم على
ارتكاب الحماقات ؟

-(بصوت
خانع ) – لن أكررها لن افعلها .. لقد عقلت الآن وبلغت سن الرشد ..

بلغت
سن الرشد .. (يتلمس لحيته البيضاء) بلغت سن رشد ... هههههههه

(يصيح
به ) – جرائمك كثيرة لن ينفعك ذلك

(متوسلا
) أرجوك أرجوك ياسيدي .. يامولاي .. يا..
لا اعرف بماذا يخاطبونك .. أرجوك بكل الأسماء سأكف عن ارتكاب هذه الجرائم كنت
كاذبا .. الم تشاهد في حياتك رجلا كذابا؟ أنا رجل كذاب! (مخاطبا الجمهور بصوت حزين
وهنا تظهر موسيقى حزينة ) .. ناديت بالضوء فأكلتني الظلمة..

صحت
بأعلى حزني أن هذه الأرض تتسع لنا جميعا .. فابتلعتني بظلمتها ...

قلت
لطلابي أن الوطن حررنا ضد الشتات والموت وهو الملح الذي نذروه لنفقأ عيون المنافي
.. فابتلعني الملح ..

(يعود
ليخاطبه )

هل
رأيت ياسيدي كم أنا كذاب؟

(يصرخ) كيف إذن تحبسون رجلا كذابا مخبولا مثلي؟

أطلقوا سراحي ... امنحوني رشفة شمس .. أريد شمسا
وهواءً غير مصنع ... أريد ( يستدرك انه يخاطب نفسه فيصرخ بهم ) أين ذهبتم عليكم
اللعنة حاكموني لأنتهي من هذا الكابوس .. الصقوا بي ما شئتم من جرائم فأنا موافق
عليها .. فقط لا تتركوني لوحدي أخاطب هلوساتي .. أين انتم ؟
اجيبوووووووووووووووووووووووووووووووووني

(يضرب
بوابة السجن بيديه )

أنا
الرقم المنسي في زنازين ظلمتكم ..

لماذا أنا 107؟

لماذا لا أكون 13 مثلا أو 426 ولكن كلها أرقام
لمعتقلين فما الفرق إذن .. ياترى من هو المعتقل 106 أو 108 هل هم ساسة أم وزراء أم
إرهابيون ماهي تهمتهم بل ماهي تهمتي ... ؟

يقولون لي لديك أفكار ...

طيب أذن لماذا أعطاني الله عقلا ؟أليس
لأفكر فيه ؟

هل يخافون من أفكاري ؟

ينتفض من مكانه يمسك بباب القفص يهزه
بعنف ويتهيأ له انه يسمع صوتا قادما من بعيد )

فيقف
مذعورا من أنت؟ ومن أين أتيت ؟

هل
أنت تلميذ عندي

أم
أنت زميل لي في الجامعة ؟ (يجيب نفسه بصوت خافت )

كما
تشاء ممكن أن أكون الاثنين معاً

-
وكيف ذلك

-
ألا تحتاجنا الآن؟

-
بلى ولكن هل تعرف
أين أنا؟

-
كلا؟

-
ااااااااااه هذه
هي ماساتي ... فعلا احتاجكم الآن احتاجكم كما هي العقاقير الطبية التي يتناولها
المريض كل ستة ساعات ولكن احتاجكم لأسباب مختلفة احتاجكم لأقص لكم قصتي احتاجكم
عند الصباح وعند الظهيرة وعند الغروب وعندما يهجم علي الحزن رغم صبري وإيماني
العميق بان الله لن يضيعني

-
قل ما تشاء فكلنا
آذان صاغية لك

-
أنا هنا في
المعتقل منذ ثلاثة شهور لم أذق فيها طعم الشمس

هل
تعرف مامعنى أن تعيش وسط أناس ، فيهم
الطيب والخائب والمخبول والمجرم والمهزوم ؟

في
الظلمة لايمكنك أن تتنبأ بأي شي فكل شي يختلف في كل يوم ... كالطعام والشراب
والمعاملة والتعذيب والزنزانات والرفاق كل هذا يتغير كل يوم ... فقط رقمك يتزوجك
زواجا كاثوليكيا لايفارقك أبداً ولايعرفك احد بدونه انه هنا هويتي الوحيدة ،
أتذكركم كل لحظة واشتاق لكم ولبيتي واسري وسريري وغطائي ومكتبي ورائحة البحوث
والاطاريح والكتب اشتقت الى حاسوبي الى عالمي الى طلابي وزملائي ومنصبي ... الى
جيراننا الطيبين ...) يستدرك بخوف ويتلفت ) يا الهي هل قلت جيراننا ؟ أنا اكذب
ياسيدي الم اقل لك هذا ؟ .. أنا بلا جار ولا عائلة ولا انتماء
...ولاااااااااااااااااا

(يهدأ
فجأة ويعود ينصت للصوت الآخر فيقول لنفسه همسا )

-
أفهمك جيدا لكن
عليك أن تصبر فالمعروف عنك انك رجل صبور !

نعم نعم .. أنا رجل صبور وعلي أن اصبر
.. هكذا تتعلم الصبر يارجل وليس كما كنت تدعي حين كنت فوق الأرض لاتحتها .. عليك
أن تتعلم الانتظار .. معنى الانتظار .. معنى الانتظاااااار هل تعرفه ؟ هل جربته ؟
أم كنت تتشدق به وتخدع به طلابك كما خدعت نفسك به ؟

ها أنت تدفع ثمن هرائك .. وأوهامك
لتسقط من قمة أحلامك الشاهقة التي تحولت الى كأس من الضوء ... ( متوسلاً )
ارجووووووووووووووووووووك امنحني رشفة شمس ..سيأكلني العفن في هذه الحفرة .. لم
اعد أحلم سوى برشفة شمس ..

-
بصوت غاضب يصيح
منتحلا الشخصية الأخرى :

-
أيها الأحمق لم
تتب عن ذنوبك بعد ؟

ها أنت تحلم بالشمس من
جديد

الم تكن هي ما استدرجتك لهذه الظلمة
السحيقة؟

عليك أن تتعلم الآن الآن
الااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااان إن الشمس مفتاح السقوط الى هاوية
الظلام حيث تقبع أنت وصراخك الآن

فلا تقترف جرم الحلم من جديد .. وأعلن
توبتك الآن واتلو آيات الندم لعلها تشفع لك ..

-
( بارتباك ) حسنا
حسنا .. أنا تائب .. أعلن توبتي الآن اقسم لك .. ولم اعد احلم بالشمس .. أريد فقط
أن تعيدوا لي اسمي .. أنا اسم ياسيدي ولست رقما .. أنا اسم له حروف ومعنى وصوت
وتأريخ ولون ورائحة وذكريات ودموع وفرح بعيد

-
هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه

-
(ببكاء ) أنا كيان .. لايعرف أن يكون رقماً ..
لايستطيع أن يتحول من قاموس الأسماء الى جدول الضرب .. !

لايستطيع
أن يظل عارياً ومصلوباً في قاعة الظلام يقارع لعنة أرقامه الثلاث !

أنا لست هذا الملعون ذو الأرقام
الثلاث .. أنا اسم له معنى وظلال وذاكرة

أنا .. لست رقما ..

ولن اكوووووووووووووووووووون

لن
اكووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووون

(يسقط على الأرض وهو يقولها وتتركز
بقعة الضوء عليه حتى تتلاشى بالتدريج .

إظلام

بارك الله فيك نص رائع بل تحفة وقيمة مضافة للمنتدى
كل الود والتقدير

شكرا لك كثيرا على الإخبار

مشكورين على الإخبار بالموضوع

تشكراتي الفائقة على هذه الجهود الطيبة
دام عطاؤك و تميزك و تألقك
تقديري و مودتي
**********************

» مسابقة دار الوطن للإبداع
» إطلاق جائزة محمد الجم للمسرح المدرسي
» الاخراج المسرحي من الألف إلى الياءلنوفل الفضل
» جمالية خطاب سينوغرافيا الجسد في العرض المسرحي:
» ملتقى الرباط للارتجال المسرحي يكرم بنبراهيم